علي سندة |
استندنا في مقال سابق في افتتاحية العدد (367) إلى أن سبب التباعد بين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وبين الحاضنة الشعبية مردُّه إلى الشرعية الثورية، التي من المفترض أن ينالها الائتلاف بأغلبية من الحاضنة الشعبية أو شبه أغلبية، لكن سطوة الدول المتدخلة في الشأن السوري (عربية، وإقليمية، ودولية) نزعت الشرعية الثورية عن الائتلاف، وبذلك فصلته عن الحاضنة الشعبية وأكسبته شرعية دولية بغطاء شعبي ظاهري، لأجل تدجينه لمصلحتها عبر أفراد وقوى من داخل تشكيله، وهذا ما يفسر سبب ازدياد الشرخ بين الائتلاف والحاضنة الشعبية كما ذكرنا سابقًا.
إن الإرادة الدولية التي انبثق عنها الائتلاف لم تستطع حتى اليوم إيقاف الدم السوري، ولم تخرج مُعتقلًا من سجون الأسد، فضلًا عن إيجاد حلٍّ يُرضي السوريين، وهذا ما يفسِّر تماهي الائتلاف مع الإرادة الدولية بالأفعال على مدار ثماني سنوات منذ تشكيله سواء رضي أم لم يرضَ بتلك الأفعال؛ لأنه صنيعة دولية لا شعبية ثورية، لذلك نرى أهداف الثورة ومبادئ السوريين التي بُذلت الدماءُ لأجلها تحولت عند الائتلاف إلى مجرد شعارات يختبئ خلفها، كونه لم يثبت على أرض الواقع شيئًا منها إلى الآن، والتعميم هنا جائز على كلّ الائتلاف؛ لأن من لا يرضى بواقع الائتلاف الحالي ويعي أن لا فائدة من الإصلاح في هذا الجسم السياسي الذي وُلِد ميتًا عليه تركه وإثبات موقف أمام السوريين.
وإذا كانت (الشرعية الثورية) قد افتقدها الائتلاف، وهي إطاره القانوني المفترض، واكتسب (شرعيةً دولية) بتكوينه الحالي، فإنه بذلك سيفتقد المشروعية أيضًا، وتعليل ذلك أن المشروعية هي العمل السياسي، ومشروعية السياسيين مستمدة من قَبول الأفراد بهم وشرعيتهم ووصولهم إلى مراكزهم الوظيفية بالإجراءات القانونية المستندة إلى الشرعية الثورية بحالة الائتلاف، إلا أن حقيقة الائتلاف لدى الحاضنة الشعبية أن الأخيرة لم تلمس شيئًا من الائتلاف يحاكي تلك الأهداف والمبادئ حتى يلقى قَبولًا لديها، وبالتالي سقطت المشروعية، ومن جهته الائتلاف لم يدخر جهدًا لأجل تقريبِ المسافة بينه وبين الحاضنة الشعبية ومدِّ جسرٍ للالتقاء والمضي نحو تخليص سورية من الحال الذي وصلت إليه.
وإذا استمر الائتلاف بفشله في كسب الشرعية الثورية بصفته الدولية الحالية، ولم يقم بتصحيح المسار والاستجابة إلى أهداف ومبادئ الحاضنة الثورية لتحقيق المشروعية على الأقل، فإنه سيتحول إلى الخيار الثالث في المرحلة المُقبلة بعيون الحاضنة الشعبية إلى (سلطة انقلابية)، حيث سيصبح كما ورد آنفًا لا يمتلك الشرعية ولا المشروعية لجهتين: الأولى لأنه لم يستند في وجوده إلى مصدر قانوني (شرعية ثورية)، وقانونيته هنا الثورة التي تكتسب شرعيتها من ذاتها، والأُخرى لأن عمله بسلطته الدولية لم يُترجم به أهداف الحاضنة الشعبية ومبادئها فسقطت المشروعية عنه.
إن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع توحيد الجهود ورصّ الصفوف، خاصة أننا مقبلون على حدث سياسي مُهم وهو انتهاء فترة الرئاسة في سورية التي تستحوذ حاليًا على الشرعية الدولية والأممية، وإذا بقيت الحاضنة الشعبية مُستبعدة من المشهد السياسي عبر جسم يمثلها بإدارة دولية لا يحاكي إدارتها، وهي صاحبة التضحية والدماء عبر عشر سنوات، سنكون أمام فوضى مُتجددة، والرهان على استكانة الشعب وتقبله سياسية الأمر الواقع رهان خاسر.