علي سندة |
لا خيلَ عندك تُهديها ولا مالُ.. فليسعد النطق إن لم يسعد الحال.
نستغرب فعلاً هذا الصمت المريب من جحافلنا المسلحة ومن الجيوش المدججة والفصائل المتوزعة على مختلف أرضنا المحررة تجاه القصف المتواصل من قبل النظام لمناطق خفض التصعيد المتفق عليها بين الدول الضامنة الثلاث، وكأن عدوى الاحتفاظ بحق الرد انتقلت من عدونا إلينا في ساعة غفلة أو ساعة مذلة.
هل نحن الموكلون فقط باحترام الضمانات ودولها مهما اعتدى الخصم وزاد إجرامه، أم أن الاتفاق ينص على أن تخرس أسلحتنا أمام فصاحة أسلحة النظام وقوتها؟!
تكررت هذه الاعتداءات كثيراً منذ توقيع الاتفاق أول مرة، ولعلنا نعلم أن النظام لا يريد لهذا الاتفاق أن يستمر، لذلك نراه يقوم بخرقه بين الفينة والأخرى بشكل موجع، لكي ينقل المنطقة إلى حرب، ولا نعتقد أنه من الحكمة ألا يرد الجيش الحر على هذه الاختراقات ليحافظ على الاتفاق، فالفاتورة التي يدفعها هي من حاضنته في المناطق المحررة، وإذا ما خسر هذه الحاضنة لعدم تمكنه من الدفاع عنها سيصبح سهلاً على النظام أن ينتزع منه مناطق جديدة.
لذلك لا بدّ من أن يكون الرد موجعاً، ولكن ليس في حاضنة النظام، فحربنا التي نخوضها هي حرب أخلاقية في الدرجة الأولى، وإنما بالتركيز على ضرب الموارد العسكرية والنقاط الحساسة مع تحييد واضح للمدنيين، وإعلان هذا التحييد، وبأننا نرد على اختراق الاتفاق بمثله لكن دون أن نكون مجرمين كما يفعل النظام، أمّا الاكتفاء بالسكوت وتلقي الضربات فهو أمرّ سيوهن العزيمة ويجلب الهزيمة عمّا قريب.
وإن كان ضامن الجيش الحر لا يفضل الرد، فهذا شأنه، فالحلفاء تجمعهم مصالح مشتركة ولا يكون أحدهم تابعاً للآخر، ومن يتخلى عن حقوقه يفقد احترامه حتى عند حلفائه.
إن الخروج عن النص هو ما لا يتوقعه النظام لذلك يتمادى بإجرامه وإن ردوداً قاسية ومدروسة بشكل جيد ستجعل الاتفاق أكثر رصانة وثباتاً.
من المعيب ألا نرى الفزعات وإرادة القتال عند الفصائل المختلفة إلا عندما ينشب اقتتال بينها، إن هذه الازدواجية أيضاً (أعني قتال بعضها وعدم قتال النظام) هي أخطر ما يدمرها داخلياً، ويجعل الحاضنة الشعبية تتمنى الخلاص منها ولو لصالح الشيطان.
ولا يجب أن يفوتنا أن اتفاق الدول الضامنة ربما سيكون قريباً لتحديد شكل الحل في سورية، خاصة مع نشاط مساري أستانة وسوتشي، وإعادة تفعيل اللجنة الدستورية في جنيف، وكل القوى تحرص للحصول على مكاسب أكبر وأوراق تفاوض أقوى قبل الاتفاق، منها الأرض وإمكانية الحسم العسكري، ولن يهتم الاتفاق إذا ما تضاءلت مرة أخرى مناطق المعارضة أو زادت، كما لن يهتم أحد لعدد الاختراقات والردود عليها عندما يحدث الاتفاق، وما يحاول النظام فعله هو التقدم لأكبر بقعة جغرافية ممكنة من الأرض قبل أن يحدث الاتفاق ليكون موقفه قوياً في المفاوضات، وهذا ما يجب ألا نسمح به، ويجب أيضاً أن نسعى إليه بدورنا.