غسان الجمعة |
تتشابك المصالح الدولية على الساحة السورية بشكل يخيّل للوهلة الأولى أن إرهاصاته قد تسفر عن معركة إقليمية سرعان ما قد تتوسع لصدام عالمي بأي لحظة، وذلك عقب كل حادث أو تصريح أو تداعيات تحرك لأحد الأطراف ينجم عنه صدام أو انحسار في مواجهة طرف آخر، فالدول المُمزِّقة للجغرافية السورية هي بحكم المتنافسة والمتصارعة عمليًا، وفي الوقت نفسه نشهد بين هذه الدول تنسيقًا وانسجامًا سياسيًا ودبلوماسيًا مغايرًا للواقع، أو الواقع منافٍ للتنظير الدبلوماسي الذي تديره الأطراف، فما الهدف من مشهد سوري تتلون فيه المعاناة والمخاوف ويفشل فيه المؤثرون في صناعة الحرب أو السلام ؟!
البداية من قطبي الصراع الأمريكي و الروسي، حيث إن الولايات المتحدة هي من منحت الضوء الأخضر لروسيا بالتدخل المباشر عسكريًا لجانب الأسد، وهو ما يثير الغرابة ربما في تاريخ العلاقة و التنافس بين القطبين، إلا أن الظروف يومها كانت تدفع بهذا التوجه للحدِّ من النفوذ الإيراني في سورية، وحتى لا تقع واشنطن بمستنقع على نمط العراق في سورية، أجازت لموسكو تدخلها والإجازة هنا لاحقة على الفعل الذي نفذه بوتين في ظل رغبته بإثبات عودة أمجاد روسيا القيصرية في إرثها السوفيتي، فكان التدخل عقب ضم القرم الأوكرانية بعامين هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أرادت واشنطن تكبيل بوتين بخيوط التعقيد الشرق أوسطية؛ ليمسك بصافرة شرطي المنطقة على الأقل، بينما تمسك الولايات المتحدة بالعصا، فالناخب الأمريكي لم تعد تعنيه إسرائيل شيئًا، و لم يعد مهتمًا بالشرق الأوسط كما هو في حقبة الحرب الباردة.
لذلك نرى اليوم قطعًا أمريكيًا للدوريات الروسية في مناطق شرق الفرات، ولكن في الوقت نفسه تسمح الولايات المتحدة للروس بالوجود، وكذلك بمرور النفط الخام لحليف روسيا في دمشق عبر الفرات، كما أنها تتماهي مع تصرفات موسكو بالملف السوري تفاوضيًا بشكل لا يزعجها، وفي الوقت نفسه لا يريحها.
واشنطن اليوم لا ترغب بفراغ أعمى في سورية يقودها لاتفاق ذليل كما هو في أفغانستان، أو لفوضى غير مدروسة كما هو في العراق، بل تحتاج الدب الروسي في سورية ليكون على رأس المليشيات التي تعج بها مناطق النظام، فصياح الديك الروسي على قمم تلك المزابل يطرب مسامع واشنطن ولا يزعجها كما هو في العراق مثلاً مع إيران، حيث تعاني من شريك فرضته الجغرافيا والمذهبية، لذلك فالتوصيف الدقيق للعلاقة بين أطراف الدرجة الممتازة على الحلبة السورية هو ما يسمى بإدارة الصراع، أو الصراع ضمن قواعد اللعبة التي يرسمها الطرفان.
أما الأطراف الإقليمية الأخرى فهي دول باحثة عن موطئ قدم لها ضمن هذه القواعد، غير أنها تعتمد مبدأ (السمك الكبير يلتهم الصغير) في صراعها خلف أجندات معسكراتها السياسية والعسكرية، غير أن ذلك يخضع لرقابة أحد القطبين كما هو الوضع في ليبيا واليمن، فرحى الصراعات الدائرة والحروب المفتوحة مشروعة دوليًا لأسباب تتعلق بعجلة الاقتصاد، أو حالات الاستنزاف وغيرها من المسوغات التي تتيح مثلاً التنافس الإماراتي التركي في ليبيا وتحدّ منه في سورية، وتسمح بالصراع الإيراني الخليجي في اليمن وتمنعه في العراق، وكذلك التنافس القطري التركي من جهة والإماراتي السعودي من جهة أخرى في القرن الإفريقي دون غيره من المناطق على الساحة الإقليمية.
ستبقى الساحة السورية حلبة صراع لثيران المجتمع الدولي وترويض وتدريب لأخرى حتى يتأثر الجمهور العالمي أو منظمو هذا الاستعراض بتداعياته، وعندها فقط يمكننا الحديث عن حل حقيقي أو صراع حقيقي يحسم هذا العبث السادي بمقدرات وحقوق شعب طالب ببدهيات حقوقه.