نارمين الخليفة |
كنت أرقب تعابير وجهه المتقلبة بين استهزاء وتعجب واشمئزاز في بعض الأحيان، تعابير وجه طفلي ذي الأحد عشر عامًا وهو يتابع بعض مشاهد” التيك توك” مع ابن صديقتي، ربما لم يعتد رؤية الشبان وهم يقومون بتصرفات غريبة وتافهة وهو الطفل الذي يرنو للشباب والرجولة.
ويرى الملاحظ البسيط تهافت كثير من الشباب والشابات اليوم إلى تصدر مواقع التواصل الاجتماعي بمحتوى يخلو من أي قيمة مضافة، حيث يتنوع المنتج لديهم بعرض تفاصيل حياة يومية أو مواقف كوميدية، بل أحيانًا ما تعجُّ هذه المشاهد بالتصرفات والألفاظ الفاحشة، والمتأمل لوهلة يمكن أن يستنتج الدوافع النفسية الكامنة وراء هذه الظاهرة، فالشباب العربي مهمَّش ومخنوق بالاستبداد السياسي، بالإضافة إلى فقدان السيطرة والتحكم بمستقبله الذي يحدده الأهل والمجتمع والواقع لا هو.
الغارق في مستنقع الفقر والجهل واللاجدوى، وجد في هذه المنصات متنفسًا يتفاعل فيه وينتج ما يريد، ممَّا يعزز لديه شعور السيطرة والتحكم، كما أن المجتمعات الغارقة بالمآسي وجدت في هذه الشخصيات مهربًا تلجأ إليه في محاول لتسخيف أوجاعها ونسيان الظروف المريرة ولو لبعض الوقت.
يذكر الدكتور (سلمان العودة)، فرَّج الله عنه، أن هدف الأفراد في المجتمعات الغربية هو الشهرة والمال، حيث يكابد الإنسان طول حياته في سعي محموم للوصل إلى هذا الهدف، وإذا قمنا بإحصائية بسيطة سنرى كيف انتهت حياة الكثير من المشاهير بالانتحار، ولا يوجد أي تفسير لذلك أكثر من غياب المعنى لحياتهم بعد وصولهم إلى قمة الشهرة والمال، ونرى هذا الأمر جليًا اليوم لدى شبابنا، حتى بات كثير منهم يتخلى عن مبادئه وقيمه في سبيل الوصول السريع والشهرة الضاربة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، والأنكى من ذلك أنهم أيضًا يستهدفون الفئة الفتية من المجتمع للحصول على أعلى نسبة مشاهدات، ممَّا يتسبب في هدر الأوقات والتفريط في القيم واستمراء قلة الحياء والفاحشة.
ولكن الأعجب من ذلك ما نراه من الأمهات اللواتي يسلمنَ أبناءهنَّ وبناتهنَّ لموجة التفاهة هذه، فيفسدون عليهم الحاضر والمستقبل، الأم التي أُوكل إليها أشرف المهام وهي تربية النشء وإعداد الإنسان الفعال الواعي بمهمته في هذه الحياة، المرأة التي خلقها الله جنبًا إلى جنب مع الرجل ليعمرا الحياة في كل مناحيها، لا تقتصر مهمتها على مراعاة طبيعتها الأنثوية في اللهاث وراء صرخات الموضة وعمليات التجميل، ولا تنحرف بمهمتها إلى حدِّ إنكار دورها في بناء الأسرة وصلاح الأطفال، بل تسير بها متطلبات العمران لتنتج في كل مجال هي قادرة ولديها الرغبة في العمل به بدون إغفال دورها الرئيس في تربية ورعاية أسرتها وأمومتها وذاتها بالمحصلة، فجوهر الأنثى هي (الأمومة) كما تقول (هورني).
إن دور التربية اليوم يعدُّ المنقذ الوحيد للأجيال من براثن التفاهة والسطحية، بل من أيدي العابثين بالقيم والأخلاق والمفرطين في السعي في طرق العلم والتطور، وعلى المرأة بالدرجة الأولى أن تعي بأن إنقاذ نفسها من الغرق بمستنقعات (التك توك، والسناب) وغيرها، سيوفر عليها الكثير في صناعة الوعي، ولو تركت أسرتها لتلك المنصات ستغرق.
لذا يجب عدم ترك الشباب والشابات لهذه التقنيات إلا بعد تمكينهم وتوعيتهم بمهمتهم في هذه الأرض، والتأكد من متانة عُرى الأخلاق والمبادئ لديهم.