يبدو أنَّ الاقتتال الداخلي يرافق معظم الثورات وحركات التغيير التي تطرأ على مختلف البلدان في هذا العالم، خاصة تلك الحركات التي تحدث في زمن قصير نسبياً، ولسنا في البلاد العربية أو الإسلامية حالة خاصة في هذا، لكن ربَّما الارتباط الديني في بلداننا يجعلها تظهر بشكل أعنف، خاصة أنَّ الكل يقتل باسم الله، أمَّا عن ارتباط أطراف الصراع بأجندات ودول خارجية، فهذا يحدث دائماً في جميع الصراعات الداخلية، فلا توجد أبداً صراعات داخلية نقية.
فالجميع يعرف أنَّ الولايات المتحدة شهدت حروباً داخلية طاحنة إبَّان تشكيلها، وكذلك الأمر في إسبانيا قبل وبعد السيطرة الإسلامية، وفي المملكة المتحدة والبلدان التابعة للتاج البريطاني، والجزائر والصومال وإيران ورواندا ولبنان سابقاً والعراق وسوريا الآن، ومصر التي تستعدُّ لحركات عنيفة قريبة ربَّما تسفر عن حرب أهلية ونزاعات داخلية على أسس دينية شبيهة بما يحدث عندنا اليوم.
يتمُّ النظر إلى الاقتتالات الداخلية غالباً بطريقة إنشائية يتم فيها دعوة الأطراف المتنازعة إلى تحكيم شرع الله وإيقاف الخلاف وسفك الدماء، بينما تغيب الأسباب الحقيقية عن المعالجة.
غالب هذه الاقتتالات تتمُّ لإثبات السيطرة ولفت نظر الداعمين الخارجيين إلى الشركاء الذين بإمكانهم بسط السيطرة وتحقيق مصالح الداعمين بقوة على الأرض، وأي حديث حول الاقتتال يتمُّ تداوله على أساس أنَّ أسباب هذا الاقتتال تكون للصالح العالم وللقضاء على العدو المشترك!! هو حديث موجه للسذج فقط، فوجود العدو المشترك هو الضامن الوحيد لنجاح هذه الاقتتالات في تحقيق الاستقطاب الجماهيري حولهاـ ولو كان هناك عدو مشترك حقيقي لكان قتاله أولوية فوق كلِّ النزاعات الفصائلية، لكن يحرص كلُّ طرفٍ على استقطاب الساحة قبل النصر، خاصة أنَّ الجماهير بعد النصر تنظر إلى المكاسب ولا تنظر إلى التضحيات، وكلما اقترب النصر أو الحسم أو الحل تزداد وتيرة هذه الاقتتالات وحدتها، من أجل حصاد المكاسب الفصائلية التي تضمن البقاء بعد الحرب.
يوجد شيء أخير مهم يجب الالتفات إليه، وهو أنَّ معظم الفصائل التي لا تمتلك مشاريع حقيقية قابلة للتطبيق، تلجأ إلى هذه الاقتتالات مبكراً، لأنَّها تعلم أنَّها لا تستطيع فرض نفسها إلا عن طريق القوة، وتعلم أنَّ الشعوب لن تصبر عليها إذا كان هناك خيارات أخرى، وستنحاز الجماهير إلى أعدائها، وهي غالباً من يبدأ الاقتتال في معظم الحالات.. والتجارب التاريخية تخبرنا بذلك بوضوح.
أمَّا تلك التي تمتلك مشاريع قابلة للنجاح فهي أكثر هدوءاً، وهو ما يجعل منها لقمة سائغة في كثير من الأحيان، فهي تنظر للمستقبل دون أن تمتلك الحاضر، فتخسر الاثنين معاً.
وفي النهاية يكسب العدو المشترك كلَّ شيء …
المدير العام | أحمد وديع العبسي