فراس مصري |
بيان جنيف (القرار 2254)، والسلال الأربعة، واللجنة الدستورية، والانتخابات، والبيئة الآمنة والمحايدة، مصطلحات بات يعرفها السوريون نساءً ورجالاً وشبابًا وأطفالاً.
في غمرة مسارات معقدة ومركبة، عسكرية وسياسية واجتماعية، محلية وإقليمية ودولية، يستعصي الحل السوري وتنساب مياهنا بشكل اضطراري في قنوات محدودة قبلوا أن يفتحوها لنا، فنقبل بجولات جنيف تارة وبمؤتمرات الرياض تارة أخرى، وبمنصات لا نفهم تموضعها في ثورتنا تارة، وبلجنة دستورية وكتابة دستور تارة أخرى.
السلال الأربعة كما سمَّاها المبعوث الدولي الخاص (ديمستورا) منبثقة عن القرار 2254 الذي أصبح قبوله ادعاء السوريين والإقليميين والدوليين، تتضمن هذه السلال ملفات الحكم والانتخابات والدستور والإرهاب، أما الإرهاب فيحاربوه صدقًا أو كذبًا، وأما الدستور فقد أنشؤوا له لجنة، وأما الحُكم فالمعنى في قلب الشاعر يفهمها الثوار والمعارضون هيئة حكم انتقالي وفق بيان جنيف، ويسميها البعض حكمًا ذو مصداقية غير طائفي (تعريفًا مائعًا)، وبالحقيقة فالقرار 2254 ينصُّ على:
“يعرب عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويُعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملاً بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.”
وفي حيثيات القرار نفسه ينصّ على ما يلي:
“وإذ يكرر التأكيد أنه ما من حلّ دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونية 2012، الذي أيّده القرار 2118 (2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية.”
وكما يلاحظ القارئ فإن القرار يستند إلى بيان جنيف الذي ينصّ بشكل واضح على “هيئة حكم انتقالية تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة” ثم يذكر في حيثياته أنها أحد السبل لتحقيق حلّ دائم للأزمة من خلال عملية سياسية، وبالتالي فهي ليست السبيل الوحيد بل أحد السبل، وبذلك يُترك الباب مفتوحًا لعملية تفاوضية مميعة تستند إلى قواعد هشّة.
ومن هنا كانت القناة التي حددها (ديمستورا) مستندًا إلى فهمه للقرار الدولي، هذا الفهم الذي توقع أن يسوق الأطراف إليه، وكانت هذه القناة هي (اللجنة الدستورية والانتخابات)، وبينهما ما سُمي بالبيئة المحايدة أو الآمنة، أو الآمنة والمحايدة متناسيًا سلة الحكم أو هيئة الحكم الانتقالية، علَّه يحقق تقدمًا مزعومًا في العملية السياسية، ومناورًا بين بيان جنيف والقرار2254، حيث ينصّ الأول على أن السبيل الوحيد هو هيئة حكم انتقالية، وينص الآخر على أن أحد السبل في 2254 هو هيئة الحكم الانتقالية.
وبالتالي تتخبط المعارضة السياسية في هذه الفهوم المختلفة، فتصرّ أمام الجمهور على عملية كاملة تكون كتابة الدستور جزءًا منها وهيئة الحكم الانتقالية تمامها وعمودها الفقري، وبعد ذلك الانتخابات في بيئة آمنة ومحايدة، ولا ندري ما خطابها بهذا الصدد في الأروقة الدولية والأممية! فغالبًا ما يطغى على عمليات التفاوض نوعًا من الضبابية والسرية.
من خلال هذه المقدمة الضرورية لرؤية سكة العملية السياسية شرعت اللجنة الدستورية بعملها وحددت لنفسها جدول أعمال أصرّ عليه النظام واستكانت له المعارضة الرسمية، فافتتحت جدول أعمالها بالمبادئ الوطنية أو (الهوية)، وقد كتبت في ذلك مقالاً أسميته “الدستور وفخ الهوية”
وفي الفترة الأخيرة ثار اللغط بين عموم الجمهور المعارض عندما شكَّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة “المفوضية العليا للانتخابات” وصار التخوين علنيًا، والتهمة جاهزة والبيئة الآمنة والمحايدة ضائعة، وهيئة الحكم الانتقالي مفقودة (طبعًا برأي أكثر الجمهور المعارض).
فما هي الحقيقة؟ وكيف يمكننا قراءة ما حصل من زاوية الانتخابات كونها سياق من سياقات الحل السياسي؟
لعلنا ندون ذلك في مقالتنا القادمة.
حياكم الله..