أ. فراس مصري |
نتابع في هذا المقال ما بدأناه في المقال السابق الذي وضحنا فيه موقع الانتخابات من البيان الدولي 2254 ومن السلال الأربع التي أُقِرت في اجتماعات جنيف (4) التي كانت تقود العملية الانتخابية فيها الهيئة العليا للمفاوضات التي يرأسها الدكتور (رياض حجاب) ويرأس الوفد المفاوض الدكتور (نصر الحريري)، وكان كبير المفاوضين المحامي (محمد صبرا)، حيث مرت السلال دون الاعتراض عليها، وصارت محورًا متفقًا عليه بين النظام والمعارضة، وهذا ما جعل المبعوث الدولي الخاص (ديمستورا)، كما ذكرنا سالفًا، يشرع في سلة الدستور محاولاً تشكيل لجنة دستورية، إلا أن خلفه هو من نجح بتشكيلها.
لقد كانت إحاطة المبعوث الخاص الشهيرة بتاريخ 18 كانون الأول 2017، التي سبقت انعقاد مؤتمر سوشي الذي عُقد في 30 كانون الثاني 2018 قد استفاضت في الحديث عن الدستور والانتخابات، وإليكم اقتباسات من إحاطة ديمستورا المذكورة:
ما سبق من اقتباس يوضح اهتمام الأمم المتحدة بقضيتين أكثر من غيرهما هما: (الدستور والانتخابات)، كما أن تاريخ الإحاطة الذي سبق مؤتمر سوشي يدلل على أن مصطلح اللجنة الدستورية هو من منتجات السلال الأربع وليس سوشي، فماذا عن الانتخابات؟!
لقد أثار تشكيل المفوضية العليا للانتخابات حفيظة عدد كبير من جمهور المعارضة، إذ فُهم منها أنها موجهة لخوض انتخابات مع الأسد، وهذا إن دلّ فإنه يدل على إحساس وشعور عظيم بأن دماء شهداء سورية ومعاناة المهجرين والانفجار الاجتماعي السلبي قد يمرُّ دون ثمن، وأقل الأثمان إبعاد الأسد وزبانيته عن مستقبل سورية، ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أحيي الروح الطيبة والأنفس التي ما تزال تنبض حرية وكرامة وعزة.
وبالوقت نفسه أقدّر ردة فعل المعارضة الرسمية التي نفت قطعيًا أنها قصدت ما فُهم من الجمهور واعتذرت عن ذلك وأوقفت العمل بقرار المفوضية، بل وصرّحت بأنها ستلغيه من أساسه، كما أكدت على لسان رئيس الائتلاف ورئيس هيئة المفاوضات، على أن الانتقال السياسي في سورية لا يمكن أن يعبر إلا من خلال هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات التنفيذية وفقًا لبيان جنيف 2012.
وتوقفًا عند حديث مفوضية الانتخابات، وبالإشارة إلى ما ورد في إحاطة (ديمستورا) والقراءة الأممية تجاه القرار 2254، ألا يجدر بنا الاهتمام بملفي الدستور والانتخابات؟!
يتوهم بعض السوريين أن دستور سورية جيد وتطبيقه فاسد، وعليه لابد من التنبيه على أن هذا الدستور يعطي لرئيس الجمهورية صلاحيات داعشية (يمكن العودة للدستور وقراءتها) ونلخص أهمها بما يلي:
- يصدر مراسيم تشريعية حين يشاء.
- يحلُّ البرلمان متى يشاء.
- يعيّن رئيس الحكومة والوزراء.
- يُقيل الحكومة متى يشاء.
- يرأس الجيش.
- تتبع له الأجهزة الأمنية.
- يرأس مجلس القضاء.
- يعيّن أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
وبالتالي فإن إحدى مشكلاتنا الأساسية هي الدستور على أن يكون منتجًا محليًا يخضع للاستفتاء من خلال مجلس تأسيسي.
وأما الانتخابات فلا بد للاستعداد لها من الآن سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية، فقد نحتاجها في لحظة استحقاق، ومن ذلك الاستعداد إعداد قانون عصري للانتخابات، فقانون الأسد لا ينتج غير أسد، لذا لا بدَّ من إنتاج قانون إدارة محلية عصري وقانون أحزاب عصري فضلاً عن إنجاز الدستور بالأصول المذكورة.
لا بدَّ من أن تُنظم قوائم الناخبين المشتتين في أصقاع العالم، وأن تستكمل الوثائق لمن هُجّر قبل بلوغه السن القانوني، ولمن حُرقت وضاعت وثائقه، لا بد أن يتعلم شبابنا ثقافة الانتخابات وأسلوب الحملات، وأن يتمرسوا بأدوات الديمقراطية المفقودة.
إنّ ما ذُكِر من استعدادات لا علاقة لها بتعويم أسد أو غزال، بل بمصير وطن نريد أن يستعيد حضارة السوريين ويستحضر عظمة أبناء هذا الشعب، لا غابة يسرح بها كل صنوف الحيوانات.
ولا بدّ من التنويه إلى أن أهم متطلبات هذا الاستعداد البيئة الآمنة التي ليس فيها معتقلين سياسيين ولا مهجرين ولا سطوة أمن ولا جبروت جيش.
واجب الوقت اليوم أن نمضي فيما نحن عنه مسؤولون، لا نزهد بمسار المفاوضات الأممي ولا نرتجي منه حلاً، وعلى التوازي نحضّر نخبنا ليكونوا قادة في صياغة دستورهم، وفي إمضاء انتخاباتهم، وفي تشكيل حكومتهم، وفي تقديم الخدمات لشعبهم؛ لأن الفرصة غير الموجودة اليوم ستكون متاحة غدًا، ودوام الحال من المحال، فقد مرّ على هذه الأوطان مستبدين وظلمة على مدار العصور، لكن الحق قهرَهم في النهاية، والحياة حلو ومر، ولا بد للظلام أن يزول، ولا بد للنور أن يضيء.
اعذروني على خاتمة عاطفية في مقال رأي عملي
حياكم الله..