غسان الجمعة |
في تتمة لمسلسل الانتصارات على الشعب السوري تبع مشهد قوافل التهجير نوع آخر من مظاهر القهر والاستبداد تمثل بطوابير المدنيين للحصول على الغاز المنزلي المشبع بالنصر القيادي عدا عن التجمعات العفوية على الأفران للتعبير عن فرحة السوريين بإنجازات رغيف القائد.
إن الحالة التي وصلت إليها مناطق سيطرة الأسد دفعت الأسبوع الماضي بعدد من الفنانين (الموالين) لإطلاق مناشدات لسيد الوطن بغية وضع حدٍّ لِما أسموه بالفساد والظلم من قبل (الحكومة).
المنشورات فاجأت كل السوريين بمعزل عن انتماءاتهم السياسية من حيث جرأتها ووضوحها وتقاطعت جميعها حول فكرة مفادها أن الوضع هو نتاج الحكومة الفاسدة بمسؤوليها، وتوجهت كل المناشدات لسيد الوطن لحل المشكلة باعتباره المخلص الوحيد لسورية.
هذه المساحة من الحرية المقننة استخباراتياً تسعى للعزل بين رأس النظام والوضع الراهن للمواطن السوري، وذلك بحرف بوصلة المسؤولية تجاه ما يسمى بالمسؤولين بشكل مبطن و خفي من جهة، ومن جهة أخرى تُريد تمهيد الطريق لطمس مسؤولية رأس السلطة أمام الرأي العام الداخلي والخارجي عمَّا تم ارتكابه من جرائم وفساد بإلصاقها بمفهوم اعتباري يدور عليه منتفعون مؤقتون يرضون بفتات السلطة التي نصبتهم، وبالتالي ستصنع مع الوقت من حولها هالة من القداسة السياسية والاجتماعية على نمط الأنظمة الملكية، حيث الانتقاد مسموح لأي شخص إلا للملك و حاشيته الخاصة.
ومن زاوية أخرى يمكننا قراءة الوضع الراهن أن النظام السياسي والعسكري في هذه المزرعة بات يدرك صعوبة الأوضاع المعاشية وعدم قدرته على النهوض بالأعباء في شتى المناطق وبأبسط صورها، حيث بات حليب الأطفال الشغل الشاغل للسوريين، فأراد تقديم الدولة باعتبارها كبش الفداء على مذبح السلطة ليمارس الشعب جلده لها نتيجة خذلناها له، ويحكم بنفسه عليها بالفشل بمعزل عن القيادة الحكيمة التي استنزفت طاقات وموارد كل المؤسسات وحققت انتصارها (للشعب).
وبالانتقال للدور الأوسع، فإن الصراع الخفي بين جناحي الأسد بات ينعكس على جسمه، فكلاهما بات في صورة شدٍّ للمكونات الاجتماعية والسياسية مستخدمين كل الوسائل للتأثير على طبقات الشعب كافة لتحقيق مصالحهما.
فالإيرانيون بإمكانهم إغراق سورية بالغاز والنفط غير أنهم باتوا يستشعرون خطر الانفراجة التي ظفر بها الأسد فجأة من محيطه العربي والتماهي الغربي مع هذا الموقف وكلاهما يستهدف احتواء إيران في سورية، فكان من الضروري تذكيره بحجم المشروع الإيراني ومدى إمكانياته في سورية.
بينما يسعى الروس لتنظيف وتلميع صورة الأسد خارجياً فإنهم على الصعيد الداخلي لا يسعون لذلك من أجل أن يبقى تحت سيطرتهم وبحاجتهم في صورة الوضع الشعبي غير المستقر والتي من الممكن أن تعود لتهدد وجوده.
إن الواقع الذي يعيشه السوريون في مناطق الأسد ينطبق عليهم فيه مثل يداك (أوكتا وفوك نفخ) وهو ليس من باب الشماتة أو التشفي وإنما من باب تدارك الأخطاء والاستفادة من الدروس، فبعض الأيدي ناصرت، وكثير من الأفواه هتفت ومجدت أو عن الحق سكتت خوفاً على رغيفها ومستقبلها، والآن وقع عليها ما كانت تخشى، فبينما ينعم قسم آخر من السوريين بحريتهم وحقوقهم رغم أن بعضهم دفع ثمنها جوعاً وألماً إلا أنها أطعمتهم كرامة في النهاية.