غسان الجمعة
إنّ مشكلات المجتمع ضخمة وبالغة التعقيد، يحتاج المرء من أجل حلّها وفهمها مقاربتها بطريقة بسيطة ومباشرة، بعيداً عن رواسب الفكر والقناعات المتصوَّرة المقولبة، وذلك بالبحث عن مسببات هذه المشكلات وتحليلها إلى عناصرها التي تفرزها الساحة الاجتماعية
المتابع للساحة السورية يشعر بحالةٍ من التشتت المجتمعي في فهم الواقع الذي تزامنت فيه حالة من الفوضى السياسية والفرقة العسكرية، ثم انتقلت هذه الفوضى الى التباين والتناقض الفكري الحاد الذي يعتبر من أخطر الثغرات في عملية البناء الاجتماعي.
لقد حملتنا الأفكار المبنية على التصور الاستبدادي في المستوى الفردي والجماعي، والمتشكلة ضمن التيارات والأحزاب والفصائلية إلى ما هو أشبه بساحة منازلة رومانية نوغل فيها بدماء بعضنا البعض، ليستمتع الطرف الآخر برؤيتها تسفك في سبيل إرضاء نزواته وتحقيق مصالحه وإشباع رغباته، كما في أسطورة سبارتكوس الشهيرة، التي خلدها الكاتب “ستيفن ديكنايت” عبر أربعة مواسم في أشهر أعمال السينما الأمريكية .
في ذلك الوقت كانت أطماع ومخططات الملاك وأصحاب النفوذ تعتمد على استغلال الأشياء والأنسان بطريقة سادية لتحقيق مصالحهم، واليوم مازال هذا الاستغلال موجوداً وبأبشع صوره وبنفس الطرق المشبعة بالجريمة، ولم تتغير سوى الأدوات التي تستعمل في ذلك، فقد أصبحت هذه الأدوات تتمتع بمصطلحات ومسميات أكثر حداثة وعصرية وملائمة للعولمة الجديدة.
لعل التباين الحاد في الرؤى والأهداف التي أفرزتها الثورة بات يهددنا إلى درجة الانهيار، فكل تغيير صنعناه في هذه السنوات الستة تبين أنه لم يتجاوز كونه تغييراً شكلياً في البنية الاجتماعية، وأخذ مع مرور الوقت ينحدر بخطه البياني إلى مستوى التمرد الفارغ أو إلى مستوى المجهود المشتت.
إن ما أود الإشارة إليه هو حاجتنا الملحة لإعادة صياغة وبناء أفكارنا على أرضية التوافق المشترك، الذي يصب في مصلحة الجميع، بحيث تكون الأفكار والمبادئ روافد متنوعة ينتهي بها المطاف لتصب في مجرى الهدف الطبيعي لقضيانا المنشودة، فتزيد من زخمها وشدتها نمواً وليس انحداراً.
لتحقيق هذا التحول علينا الانطلاق من سيكولوجيا البناء الفردي، الذي ينتج ثورة حقيقية في النسيج الاجتماعي الذي نكونه أنا وأنت، وإلا فإن التغير الخارجي أو الشكلي سيتعرض دون أدنى شك إلى هزات وتصدعات تفكك هذا البناء وتمزق سلامة مكوناته، لأن المجتمع هو مفهوم ثابت ولا يوجد فيه عملياً وعلمياً سوى نحن كأفراد، تحكم علاقاتنا تلك القناعات والأفكار بصورة تعطي انعكاسا متكاملاً عن حالة المجتمع سلباً وإيجاباً.
وعلينا دائما أن ندرك أن حياتنا وفرصنا رهنٌ لمفاهيمنا وتصوراتنا الذهنية عن بعضنا البعض، وما الحاضر المرّ الذي نحن فيه سوى ماضٍ نحمله بعقولنا، نريد له أن يكون لنا مستقبلاً؟؟ وبالتالي فإننا لم نأت بجديد، فكل ما نفعله هو نسخ تجارب الفشل دون مراقبة دوافعنا وتمكين أنفسنا من الانتماء لهذه الدوافع وتطويرها ومقاطعتها بالحد الأدنى مع مصالحنا المشتركة وأهدافنا المصيرية كشعب واحد.