يسابق نظام الأسد في تحضيراته لمعركة الجنوب السوري إيقاع التجاذبات السياسية بين اللاعبين على الساحة السورية مستفيداً من الظروف الإقليمية التي باتت تصبُّ في مصلحته إلى حدٍّ كبير من أجل فتح هذه المعركة، فالأردن تموج فيه احتجاجات شعبية تحت ضغط الأسباب الاقتصادية من جهة و إسرائيل المتخوفة من التمدد الإيراني من جهة أخرى، ما خلق له الظروف المناسبة لحشد ميليشياته باتجاه المناطق المحررة.
النظام السوري المتعطش للسياج الإسرائيلي فاجأته تصريحات نتنياهو في كلمة ألقاها أمام مركز ( بوليسي إكستشينج) للأبحاث السياسية في لندن عندما قال: إن الأسد و نظام نظامه ليس بمأمن في حال سمح لإيران بتنفيذ هجمات من الأرضي السورية ضد إسرائيل.
هذه التصريحات التي لا تتناسب مع مستوى التنسيق و التفاهمات التي سعى لها الأسد مع إسرائيل من خلال الدبلوماسيين الروس الذين مهدوا له إمكانية الوصول إلى الحدود الإسرائيلية بضمان إبعاد الإيرانيين عنها، ولذلك لا يوجد لهذه الرسالة سوى هدف واحد هو منح الأسد الذريعة للحد من التوغل والانتشار الإيراني في الجنوب السوري و إن استبقت إيران ذلك بدمج ميليشياتها ببقايا الجيش السوري للالتفاف على المصالح الروسية و رغبة الأسد الذي يسعى لاستبدال ورقة المساومة على الوجود الإيراني في الساحة الإقليمية والدولية بمجاورة الإسرائيليين .
و من جانب آخر بات الروس يشعرون بمدى الإعاقة التي تتسبب بها إيران وميليشياتها في محاولتهم لإعادة تأهيل نظام الأسد على الساحة الدولية وبالأخص عقب جولة نتنياهو الأخيرة في أوروبا التي حشد فيها الرأي العام حول ضرورة إخراج إيران من سورية، فيما يبدو أنه غدا شرطاً من شروط إعادة الإعمار التي تطالب بها موسكو المجتمع الدولي الرافض لذلك بسبب عدم حصول انتقال سياسي حقيقي في سورية على أساس مقررات جنيف.
وبالانتقال إلى منطقة القصير فقد انتشرت الشرطة العسكرية الروسية من خلال حواجز و نقاط أمنية دون التنسيق مع النظام السوري، وذلك فيما يبدو أنها تجنبت ذلك لعدم إحراج الأخير مع ميليشيا حزب الله اللبناني التي تعتبر هذه المنطقة حيوية بالنسبة إليها، كما أنها تقع على طريق إمداد هذه الميليشيات من إيران، غير أن هذه القوات سرعان ما عادت وانسحبت ليحل مكانها ميليشيات تتبع نظام الأسد.
هذه الخطوة الروسية هي رسالة واضحة لإيران بأن روسيا من أهم المتسابقين في المنطقة لطلب الرضى الإسرائيلي كما أنها بداية النهاية لما يسمى القوات البرية الصديقة بعد استدعاء الأسد لبوتين وتصريحه بضرورة إخراج القوات الأجنبية من سورية والبدء بتنفيذ أولى خطوات الحل السياسي و تشكيل اللجان الدستورية لإعداد دستور جديد تحافظ من خلاله موسكو على مصالحها بعيداً عن الضوضاء السياسية التي تسببها لها إيران.
إن المنحى العام الذي تتجه به روسيا لنظام الأسد هو أن تستعيد مؤسسات الدولة عافيتها تحت إمرتها ليس من أجل السوريين بل من أجل أن تقطع الطريق على ألاعيب إيران في تمييع سلطة الدولة و تقوية أحزابها و ميليشياتها وهو ما حدث في العراق، وقد أظهرت موسكو ذلك من خلال فضحها لمرتزقة إيران والأسد خلال عمليات النهب والسرقة، كما أنها وجهت لنظام الأسد أوامر بتفكيك الحواجز داخل دمشق والبدء بحل ما يسمى (قوات الدفاع الوطني).
هذه المساعي لا تصب في الصالح الإيراني الذي لا يستطيع النشاط سوى في بيئة الفساد و شريعة الغاب لذلك ستشهد الأيام القادمة اختلافات أكثر حدة بين الفرقاء الحلفاء.