بقلم : بكري سندةلعلَّ أبرز حدثٍ مرَّ على الثورة السورية كأول ظاهرة هو إعلان ضباط من رتب عالية أو صف ضباط انشقاقهم عن النظام والتخلي عن مناصبهم والتحاقهم بصف الشعب الغاضب الثائر.ولعلَّ أوَّل حادثة تُعلن بشكل واسعٍ هي انشقاق العقيد رياض الأسعد، والمقدم حسين هرموش،قد لا تكون هذه أوَّل عملية انشقاق، فقد سبقها عدة حالات قُوبلت بشراسة من قبل النظام وأُعدم أو اعتقل من قام بذلك دون أن يدري بهم أحد.كما بإمكاننا اعتبار من رفض إطلاق النار على المتظاهرين وقيام عناصر الأمن والضباط بتصفيتهم مباشرة وإخراجهم إلى الملأ على أنهم قُتلوا على يد المتظاهرين من المنشقين.يتتالى بعدها انشقاق الضباط وصف الضباط والجنود من عاملين ومجندين، وقد اقتصر الانشقاق في الفترة الأولى على المؤسسة العسكرية فقط حتَّى لحقتها انشقاقات داخل عدة مؤسسات وأحزاب وصلتْ إلى البرلمان أيضاً.اختلف حال المنشقين العسكريين كلٌّ حسب موقعه وحسب الهدف من انشقاقه، وقد أقيم في بادئ الأمر مخيم للضباط الأحرار في تركيا تجمع فيه أغلبهم، فمنهم من انخرط في العمل العسكري ومنهم انخرط في العمل السياسي، ومع نهاية عام 2012 كان عدد المنشقين قد تجاوز 20000 منشق بين عسكري ومدني.إلَّا أَّنَّ هذا العام كان ثقيلاً على الثوار بسبب اعتقال المقدم حسين هرموش في ظروف غامضة، وقيام الإعلام الرسمي بعرضه على الشاشات المؤيدة وإجراء حوار طويل معه عدَّ الثوَّار حينها أنَّ ما تحدث به الهرموش كان تحت تأثير التعذيب والتهديد باعتقال أسرته، ثمَّ غاب تماما ولم يعد يُعلم عنه شيء، منهم من رجَّح أنَّه قُتل في السجن، ومنهم من قال: إنَّه مازال معتقلًا في سجن صيدنايا السياسي.لم يكن حال المنشقين جيداً في جميع الأحوال، بل تفاوت حسب مكانه وحسب العمل الذي قام به بعد انشقاقه، وقد اعتبر عام 2013 عام الانشقاق، حيث كان مجموع ما خسره النظام حتى نهاية هذا العام أكثر من50000 عسكري منشق بين ضباط وصف ضباط وجنود.أمَّا في عام 2014 فقد تراجعت هذه الظاهرة بشكل كبير جدًا، ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها:*أنَّ من كان لديه رغبة بترك النظام الفاسد فقد تركه منذ بداية الأحداث وبقي قلة قليلة لم يتح لها فرصة بعد.*المصير الغامض الذي قد يواجه المنشق على جميع الأصعدة حتى أنَّ أحدهم قال لي: (يلي بينشق وزير بصير وزير)*أغلب المنشقين العسكريين كان مصيرهم الموت حتَّى الشخصيات المشهورة منهم العقيد يوسف الجادر، المقدم حسين هرموش…. وغيرهم الكثير*سوء معاملة المنشقين حديثًا من قبل الكتائب والمجتمع المدني، حيث أصبح يُنظر إليه على أنَّه هرب من الموت ولم يخرج عن قناعة.*الوضع المعيشي السيء الذي يواجه السوري اليوم، والتضييق من قبل النظام على أسرة المنشق، وقد عَلمتُ من بعض من خرج حديثاً من صيدنايا /المعتقل السياسي/ أنَّ هناك جناح كبير لضباط وصف ضباط ممَّن حاولوا الانشقاق أو وجهت إليهم تهمة من هذا النوع يتعرضون لحالات تعذيب شديدة.أمَّا على صعيد الانشقاقات الأخرى ذات الثقل السياسي، نجد انشقاق رئيس وزراء النظام رياض حجاب، ورئيس الحرس الجمهوري مناف طلاس، وبعض الشخصيات الأخرى التي اعتبر انشقاقها مؤثرًا على النظام وكيانه، ليتبين لاحقاً أنَّ كثيراً من تلك الشخصيات وأشباهها لم يكن انشقاقها ذا أهمية تذكر، ولم يكونوا ذا فعالية بالثورة إلَّا من باب التنظير وطرح النصائح وطلب اللجوء في البلدان الأجنبية.خلاصة: هل الانشقاق عن النظام يخدم الثورة ويحرج النظام أم أنَّه عبارة عن حفظ حياة المنشق من دون تأثير على الطرفين؟الانشقاق يؤثر على النظام بحيث يجعله يخسر عددًا كبيرًا من الشخصيات التي قد تكون مؤثرة في مفاصل قياداته أو مؤسساته، ويساهم في تعجيل انهياره سلطته على ما تبقى من الأرض،ويخدم الثورة بإضعاف قدراته.أمَّا شخصية المنشق فقد تكون مفيدة للثورة حسب فاعلية هذا الشخص وقدراته ومدى اعتقاده واقتناعه بالثورة والعمل بها.