معن بكور |
انتشر في الفترة الأخيرة في الشمال المحرر “فكرة البازارات” وهي اشتراك عدد من الأشخاص ممن لديهم سيارات أو عربات وقيامهم بتنظيم بازار (سوق صغير) يعرضون فيه منتجات وسلعًا بأسعار منافسة للسوق والمحال التجارية في المنطقة.
وغالباً ما تنشط حركة البازارات في مواسم الأعياد والمناسبات المختلفة، فضلاً عن نشاطها الأسبوعي في كل منطقة من مناطق المحرر التي تشكل فرصة للتسوق.
في حين توجه البعض الآخر لجعل فكرة البازار مستمرة طيلة العام عبر تأمين محل تجاري وتأجير طاولات في هذا المحل لعدد من الأشخاص بكلفة محددة.
ولقد أمسى السوق المتنقل (البازار) الشغل الشاغل لكثير من أبناء المنطقة وللنازحين الذين أجبرتهم الحرب على مغادرة بيوتهم وديارهم التي تركوا فيها الغالي والنفيس بحثًا عن النجاة من الموت الذي يطاردهم.
(أم عبدالله) نازحة من حمص أجبرتها الحرب على ترك منزلها والنزوح إلى مدينة أريحا في الشمال السوري، تقول لصحيفة حبر: “لقد تركنا كل متاعنا وبيوتنا في حمص هاربين من سطوة الأسد وطغيانه فارين من الموت وأولادنا في أقبية الأسد معتقلين، فكان لزامًا علينا أن نشتري ما يلزم بيتنا الجديد الذي قمنا باستئجاره، وبسبب غلاء الأسواق وقلة المورد المادي قمت بالبحث عمَّا يلزمني في بازار المدينة ابتاع منه ما يغنيني عن شراء الجديد بسعر مناسب يلائم الدخل المادي لدينا؛ حيث إنني أجد كل حوائجي من أدوات مطبخ وفرش بيت ولباس لصغاري بثمن يلائم دخلنا المحدود؛ وكان البازار يُقام كل يوم سبت، فأجهز نفسي صباحاً وأذهب لأشتري لوازم المنزل واللباس وأعود مطمئنة البال؛ مرتاحة الخاطر لحصولي على ما احتجته بأقل سعر.”
(أم حسن) من أبناء مدينة أريحا تقول أيضًا: “إن الحرب لم تقسو فحسب على النازحين، وإنما طالت أيضا أهالي المدينة الأصليين الذين لاقوا من الحرب الكثير من الآلام وفقدان من يسندهم في تدبير حاجياتهم، وإني وإن لم أنزح من مدينتي إلا أن الحرب أوقفت راتب زوجي الُمدرس وأمسى مثل المتقاعد الذي لا يملك مالاً يستعين به على سد نفقات البيت الكثيرة؛ إلا أن لي ولدين في المهجر يرسلان لنا كل شهر مالاً لنسعين به على نوائب الدهر وصروف الزمان، وبسبب غلاء الأسعار أيضًا اضطر للذهاب إلى البازار لشراء ما يلزم من غذاء ولباس وعدة مطبخ، فأجد فرقًا كبيرًا بين شرائه جديدًا وبين شرائه من البازار.”
وكان (لأبي حسام) صاحب بسطة في البازار حديث مع حبر حيث قال لنا: “لِما جرته الحرب من ويلات وآهات ومواجع اضطرت تلك الجموع من الناس إلى الشراء من البازار؛ للفرق الشاسع بينه وبين الجديد.” ويُكمل: “أجبرتني الحرب إلى العمل على سيارته متنقلاً بين مدينة وأخرى، من بازار إلى بازار طلبًا للزرق الحلال، فالظروف لا تسمح لي بامتلاك محل لأنه يتطلب مصاريف عالية. ولاحظت أن هناك رواجاً لفكرة البازارات، وهناك إقبال من الناس عليها أكثر من الأسواق العادية كون البازارات توفر كل أنواع السلع (الألبسة، والمنظفات، والأكل، والهدايا) بأسعار مقبولة.”
يضيف: “ما شجعني على ذلك أن بدل استئجار الطاولة في البازار رخيص، ولا يحتاج مالاً كثيرًا، ولا يترتب عليَّ دفع أي نفقات أخرى مثل أجرة محل بالكامل أو دفع فواتير، وهذا ما يجعل سعر القطعة أرخص من المحال ويمكن تحقيق نسبة ربح لا بأس بها.”
يذكر أن البازارات عمّت أرجاء المحرر، وذلك لرُخص ثمن البضاعة فيها ولحاجة الكثير من الناس لها للتخفيف من وطأة ما يلاقونه من غلاء في الأسعار وشُح في المال الذي بين أيديهم، وكانت تلك البازارات أيضًا فرصة لكثير من الشباب العاطل عن العمل، وجدوا فيها رزقاً وفرجاً ممَّا يلاقونه في جلوسهم الطويل داخل بيوتهم.