بقلم : رئيس التحريرترتدي الوقاحة في باريس ثوبًا برَّاقًا جديدًا، وتطلُّ على مؤيّديها ومنظّريها وحماتها المدافعين عنها، وتبكي سبعة عشر قتيلًا وتنوح على شارلي حيث قضت فيها أجمل سني طفولتها، ثم تطلب من أحبائها أن يثأروا من المسلمين وأن يدوسوا على جميع مقدساتهم، وأن يحاربوا الإرهاب الإسلامي! والغريب أن بعض ( طرزانات ) العرب كانوا حاضرين في العرس الباريسيّ فهزّوا رؤوسهم وصفّقوا بأيديهم.يبدو أن الحاضرين في باريس يجهلون منطق الحساب الذي درسوه في مدارس النظام العالمي الجديد، فهم يرون أنَّ العدد سبعة عشر أكبر من ألف ألف ألفٍ حصدتهم مناجل الغرب والنظام السوري. فلا تستغربوا إنْ قلنا لكم: إنَّ قطرةً واحدةً من دماء أحقرِ رجلٍ عند الغرب لا تساوي نهرًا من الدماء يهرق في سورية كل يوم على أقدام الأسد.انظروا في تظاهرة باريس تجدوا أنَّ الغرب يحاول أن يجسَّ بإصبعه رجلًا نائمًا فإن لم ينتفض سارع إلى دفنه، وأنَّ القوى العالمية استغلت حوادث شارلي لتمسك بيديها وتدخلها في إطار الحملة الحربية الجديدة التي تهدف إلى تحطيم معنويات المسلمين ( المعتدلين وغير المعتدلين )، فتزرع الخوف ( الإرهاب ) في قلوبهم من خلال مسيرات ( عفوية ) كما كان يسميها النظام السوري، تستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: “إن صحف (يولاندس بوستن) الدنماركية، و(دي فيليت) الألمانية، (شارلي إيبدو) الفرنسية، وكل صحيفة استهزأت بنبيكم وكفرت بدينكم وربكم جاثمة على صدوركم متمددة إلى بلادكم”تحاول مسيرة باريس ( العفوية )أن تبالغ في إخراج المسلمين من حقل الأفعال السياسية إلى حقل الفجل والبصل والتمسك بـ( زنّار ) وليّ الأمر الذي يفكر عنهم ويتكلم عنهم ويتخذ القرار عنهم، وتريد أن نبقى نتساءل: ماذا سيفعلون وماهي العقوبة الجديدة التي ستفرض علينا.ولكنَّ السفينة الصليبية –كما تعرفون- لا تجري كما تشتهي، فقد صنعت تظاهرة باريس استياءً عامًا وغضبًا ربما يقلب السفينة ويغرق أهلها. إنَّ الذي ينظر بعينٍ واحدةٍ إلى كبرياء الغرب وهدوئه، وإلى الديكتاتوريات العربية التي وضعت على كراسيّها ( لاصق جرذان ) يظنُّ أنَّ الغلبةَ لهم، وأنهم يستطيعون بإشارة واحدة أن يحولوا مليار إنسانٍ مسلم إلى قطيعٍ من الأبقار والأغنام يُسرق لبنها وحليبها ويؤكل لحمها. ولكنَّ المدقق في المشهد يعلم أنَّ الهدوء الظاهر على سطح الصورة مشوّه ولا يعكس الحقيقة، وأن شرارة واحدة تكفي لأن تستعيد اللوحة ألوانها الحقيقية.ولا يغرَّنَّكم أصحاب العِمم الذين يرعون القُمم في مزابل السلاطين والملوك والرؤساء، إذ إنهم لم يلتفتوا إلى التطورات الأخيرة، بل راحوا كعادتهم يمارسون سياسة الهروب والتخفي والتجاهل من أحداث شارلي ومسيرة باريس ( العفوية ) ذلك أن العصافير ما زالت تزقزق في ممالكهم ، والشمس تشرق كل نهار، والملك ( المفدى ) يغسل أقدامه بأنهار النفط العربية.أيها القراء..ألا يتطلب هذا المشهد أن نفكر على نحو جديد، وأن نعيد مراجعة الأوراق وترتيب الأولويات، ألا نحتاج إلى إعادة النظر في المفاهيم والتصورات التي درسونا إياها وتحاول وسائل الإعلام أن تلقمها المشاهدين مع وجبات الطعام؟ ألا يجب علينا أن نعلم أن مسيرات ردود الفعل التي ترفع الشعارات وتريد أن تنتقم لرسول الله صلى الله عله وسلم ليست إلا صيحات فارغة في بئر معطلة إن لم يصحبها الفعل القوي؟ألا ترون أننا أكثرنا من الكلام ؟