جلّ ما كان يؤلمنا يوم كنا تحت سطوة النظام البعثي هو الكلام ، تصم أذاننا وعود الإصلاح والتغيير والتحديث والهراوة السحرية التي زعم النظام أنه لا يمتلكها ، خطابات تهز أركان العدو ، وبيانات تجعله يعلن حالة الاستنفار والـتأهب ، ونصر على ورق الجرائد وعبر أثير الفضائيات وفي مؤتمرات القمة يتجدد كل عام ، ونحن نغرق في سكر عميق ، نتنفس رائحة نتن النظام فنشعر بأنها رائحة عبق الأمجاد عبر تاريخنا المشبع بقصص البطولة .بدأت الثورة لتعطي الأولوية للعمل ، وليقدم في سبيله الدماء والأرواح ، عمل بصمت وجهاد واجتهاد لا يعرف السأم ، ولا أحد يهتم أن يحكي أو يُحكى عنه ، بدأت وكأن مرجلاً يغلي في الصدور فلا يتوقف ، حتى إذا طال أمدها وخبا أوارها ، بدأ يعود الداء القديم لدى الكثيرين، وصارت منصات التواصل الاجتماعي التي كانت مجرد وسيلة للثورة ، صارت هدفاً للكلام والتحذلق وتبادل الاتهامات وتسفيه الآراء ، ومنابر لصنع البطولات وامتشاق السيوف وضرب الأعناق .. بل وصارت في أوقات كثيرة أبواقًا للنظام من دون أن تدري . تخوّن الأمين ، وتنزّه الخائن ، وما أسرعنا للتصديق .ما نريده هنا ليس محاضرة في فضل الصمت ، وإنما نريد أن يعود التعبير بالعمل ، نريد عملاً يتحدث عن نفسه لا شعارات وذكريات نلوكها لكي نخفي عري تقاعسنا عن أداء واجباتنا ، نريد جهداً يضاف في سبيل النصر ، لا صوت رحىً تصم أذاننا ولا طحينًا يُسكت الجياع. نريد أن نعمل بصدق ، أن نعمل وفق ما نؤمن به بعيداً عن التهاتر الذي يوهن العزائم ويدخل اليأس للنفوس ، عملاً يرضي الله وينفع الناس . المدير العام / أحمد وديع العبسي