تصنف الحرب العالمية الثانية التي حدثت عام ١٩٤٥م كواحدة من الحروب التي تركت أثراً فظيعاً خَلْفها نتيجة استخدام أسلحة نووية في الهجوم على مدينتي هيروشيما و ناغ زاكي في اليابان.
خلفت القنبلة النووية ورائها ١٤٠,٠٠٠ ضحية إضافة إلى الخراب والضرر في كل ما ينبت ويدب ويمشي في المدينتين، مرَّ على الحادثة ٧٢ عاماً، لكنها كانت كافية لتجعل من اليابان كوكباً آخر.
لكن ذلك لم يثنِ من عزيمة اليابانيين على النهوض من جديد، فاتخذوا من العلم والتعليم لبنة تؤسس لنهضتهم، فكانوا قدوة لباقي الدول في تجربتهم وأصبحوا مثالاً يحتذى به.
سنقارن في هذا المقال بين مدارسهم ومدارسنا حتى نعرف لماذا تقدمت اليابان بهذا الشكل الهائل ونحن مانزال على حالنا حتى وصل الجهل إلى أعماقنا.
في برنامج خواطر الذي يقدمه أحمد الشقيري خصص ٣١ حلقة لليابان، وضمن هذه الحلقات تعرض للطالب الياباني في مدرسته في عدة جوانب.
من حيث التعليم احتفلت اليابان بآخر أُمي عندها منذ خمس عشرة سنة، أي نسبة الأمية في اليابان هي ٠%
اليابان تفوقت حتى على الغرب؛ لأنها نهضت من الناحية التعليمية، ففي المدارس لا يوجد عندهم عمال نظافة، بل الطلاب والمعلمين هم من ينظفون المدرسة كل يوم لمدة ربع ساعة، مع أن اليابان بلد غني جداً وقادر على وضع عمال نظافة في كل المدارس اليابانية، لكن هناك هدفاً سامياً من وراء ذلك.
أما في مدارسنا يوجد عاملة أو عاملتين من أجل نظافة المدرسة، أي الطلاب غير مسؤولين عن شيء من هذه الناحية، وكل تلميذ يأكل ويرمي الأوساخ في الأرض ثم يكمل سيره!
الطلاب في اليابان عندهم يومياً وقت مخصص للقراءة فقط، ترى كل واحد يحشر رأسه في كتابه بعيداً عمَّا يحدث حوله، وأنا عندما دخلت إحدى المكاتب في الشمال السوري وسألت البائع: هل يوجد كتب؟ نظر إلي كأنني آتية من عصر آخر و قال: هل يوجد أحد حتى الآن يقرأ الكتب؟!
نعم كلُّ الأمم المتقدمة من جميع النواحي تقرأ وتعرف جيداً ما معنى كلمة (اقرأ)
في مدارس اليابان المدير يأتي إلى المدرسة قبل الطلاب بنصف ساعة، وليس في الحصة الرابعة والخامسة، ويكون على استعداد تام هو والمعلمين لاستقبال الطلاب عند باب المدرسة مع ابتسامة لا تفارق وجوههم.
جرس المدرسة عندهم عبارة عن نغمة موسيقية هادئة وهو أمر بسيط جدا وغير مكلف، لكن له تأثير كبير على نفسية الطفل، وأنا ما أزال أذكر بعد عودتي من تركيا أنني ذهبت إلى المدرسة في أول يوم لأرى وضع التعليم، وعند انتهاء الفسحة أتت المديرة بوعاء من الألمنيوم (وعاء منزلي) وعصا متوسطة الحجم ثم بدأت تطرق على الوعاء بالعصا (هذا بديل عن جرس المدرسة) حتى نعلم أنه حان وقت الحصة الدراسية.
في اليابان من العيب أن تنادي الطالب باسمه فقط؛ لأنهم يعتبرون ذلك قلة احترام وتقدير للطالب، إذ ينادونه من الصف الأول ابتدائي وحتى الثالث ثانوي بالمعلم، فالطالب يناديه (يا أستاذ) ثم يذكر اسمه، أما في بعض المدارس عندنا هناك استهزاء من قبل بعض المعلمين عندما ينادون الطلاب، هل هذا تكبر أم يظنون أن الاستهزاء والإنقاص من قيمة الطالب ستصنع رجالاً؟!
أثناء الحصة الدرسية هناك قوانين تحكم كل صف من أجل المحافظة على الهدوء والاحترام وحصول كل طالب على حقه، عندهم أربعة إشارات في اليد، وكل إشارة تدل على شيء مختلف، إضافة إلى هذا كله هناك علامات على رفع اليد.
إذا بقيت مدارسنا على هذا الحال سيخرج لنا جيل عديم الثقة بنفسه، لا يعلم ما معنى الاحترام، ينخر الجهل عظامه على مرِّ السنين.