أ. عباس شريفة / أبو تيم
في الوقت الذي عُز فيه المولى، وهو النصير لهذه الثورة اليتيمة، كان من المفترض أن يشدَّ الأخ عضده بأخيه، بيد أنَّه عمد إلى بتر عضد أخيه بتوهيم يلبسه لباس الشريعة، وكلاهما عاجز عن كفِّ يد الطغاة عن دمائهم.
إنَّ بدعة التغلب السياسي من أخطر البدع السياسية التي ظهرت إبَّان حقبة الحكم العباسي على أثر النزاع بين الأمين والمأمون، والتي بدأت تنتشر في ذهنية الفصائل، والتي يعمد إلى إخفائها عن طريق التقية بمبررات شرعية؛ لذريعة تحقيق مقصد اجتماع الكلمة بالسيف والغلبة.
من هنا كانت أزمة فقه التغلب عند بعض الجماعات عائدة إلى الخلط بين ما وقع في تاريخ المسلمين من ممارسات سياسية، وبين جعل ما مُورس في التاريخ حكما شرعياً.
وحقيقة التغلب هي جريمة طغيان، تُغتصب فيها إرادة الأمة بالحديد والنار، وتسفك الدماء لشهوة السلطان، ولكن الفقهاء تلطفوا فسموها: إمامة المتغلِّب.
ولكنَّ أصحاب بدعة التغلب في الغالب لا يصرِّحون بأنَّهم يمارسون التغلب كحكم شرعي، وإنَّما يعطون ذرائع مقبولة تستميل عاطفة الجماهير، فيجمعون بين التقية والبدعة.
ولو حاكمناهم على أصل الفكرة المتجلية في: أين التغلب وأنت لا تستطيع فكَّ حصارك؟ أين التغلب وأنت لا تستطيع إطعام الناس؟ أين التغلب وأنت لا تأمن على نفسك أين تنام؟ أين التغلب والبراميل تنهال على أهلك؟ لكان المُلجئ للفقهاء في إجازتهم لولاية المتغلِّب هو الاضطرار لمَّا اختل نظام الحكم، واحتدمت الصراعات على السلطة، حينها لم يجد الفقيه سبيلا لإسكات صوت الفتنة إلا بإجازة حكم المتغلِّب، على أنَّه أخف الضررين ومن باب الرضى بالأمر الواقع، فلماذا غدا هذا المسلك الاضطراري طريقة معتبرة يُنص عليها كطريقة من طرق انعقاد الإمامة عند البعض؟!
وثمَّة من لا يكاد يميز بين حكم التغلب وحكم المتغلِّب بعد أن يستقر الأمر له، والذي يترتب الخروج عليه مفسدة عظيمة، فالخلط بينهما جهل وكذب على الفقهاء.
إنَّ المسلك الشرعي الحصري والوحيد لانعقاد الإمارة هو الشورى عن رضى وحرية، وكلُّ ماعدا ذلك فهو بدعة ضالة واتباع لخطوات الشيطان، وتمهد للخروج عن قيم الشرع الحنيف.
متى سيعود للأمة حقوقها السياسية؟ ومتى ستكون صاحبة الولاية في وقتٍ يتصدَّر فيه المشهد فقهاء يسوغون حكم التغلب والقهر ويغرون الناس بالاقتتال؟
لقد بتنا نلحظ التناقض العجيب فيمن يشنِّع على البدع وينكرها ويدعي صفاء المنهج ونهج النبوة، ثمَّ يأتيك بأمِّ البدع والشرور، ويزين لفصيله مسلك التغلب والقهر من دون الفصائل.
حتى إنَّ بعض الدعاة ممَّن يحرصون على ابتداء خطبهم بحديث (كل بدعة ضلالة) يشنعون على كلِّ بدعة، فإذا وصلوا إلى البدع السياسية أُلجموا وصمتوا بحجة درء الفتنة.
وهناك من يقع في النظرة الأحادية في تقدير الأمور، فهو يرى مفاسد الخروج على المتغلب ولا يرى مفاسد الاستبداد والتغلب التي تفوق مفاسد الخروج عليه ومواجهته بأضعاف.
من فصائل الساحة من أشربت في قلوبهم المسالك الداعشية في حسم خلافات الساحة بالتغلب، ولكن بفارق واحد هو التغلب دون تكفير، وأحيانا مع تكفير غير معلن.
هذه الازدواجية تظهر عند بعض الفصائل مع تغير منسوب القوة لديها، فهي في مرحلة الضعف تنادي بالشورى وتجعلها ملزمة، وفي مرحلة القوة يدفع نحو التَغلبٌ بحجة اجتماع الكلمة، وهذا ما يزيد الأحقاد، يُوغره في الصدور، ويزيد من تمزيق الكلمة واختلاف الصفوف بعد الالتقاء فراسخاً.