شهدت الثورة خلال ستة أعوام من قيامها تطورات كثيرة، هذه الأحداث المتسارعة حيرت المفكرين والمتابعين لها، كان التعقيد وعدم فهم وإدراك ما يحدث على الساحة السورية من أبرز صفاتها، ومع الانخراط المتتالي للقوى العالمية وظهور فصائل جديدة على الأرض وانحياز كل فصيل إلى جهة خارجية جعل من الساحة السورية مركز لتصفية الحسابات، إن لم تكن محط أنظار الطامعين، بغض النظر عن المطامع.نظام الأسد طبّق أبشع السياسات الإجرامية في العالم، واستخدم في حربه ضد شعبه كل ما أمكنه في سبيل القضاء على الثورة الثورية، أو على كل ما تحتويه المناطق الخارجة عن سيطرته من بشر وحجر، بدأ بسياسة القصف الممنهج وسياسة الأرض المحروقة، استخدم في ذلك البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، ولم يكتفِ بها ليستخدم النابالم الحارق والأسلحة الكيماوية المحرمين دولياً، لم تكن تلك أبشع ما فعل، بل قام هذا النظام الحاقد على اتباع سياسة الحصار الخانق الذي طبقه على كثير من المناطق وأهمها مناطق الغوطتين الغربية والشرقية، عاشت تلك المناطق أقسى الظروف وحرمت من كل شيء يبعث على الحياة في ظل صمت دولي مطبق.صمدت داريا الواقعة في الغوطة الغربية سنوات، لم يستطع النظام وحلفاؤه الإيرانيون السيطرة على المدينة، والتي حضنت الثورة منذ ولادتها، رغم القصف اليومي بعشرات البراميل المتفجرة وصواريخ الأرض_ أرض والصواريخ الإيرانية الحديثة، حيث أصبحت المدينة منطقة للتجارب لحلفاء الأسد، قتل الكثير من عناصر النظام وعناصر حزب الله القائد للحملة على المدينة، (9017) برميل متفجر، منها 62 برميلا يحوي مادة النابالم الحارق، بالإضافة إلى “192” صاروخ أرض_أرض، و8421 قذيفة هاون وقذائف مدفعية أخرى.بعد ذلك الصمود وخذلان فصائل الثورة وأهمها فصائل الجبهة الجنوبية، وباتفاق دولي خلف الكواليس وبسياسة التهجير القسري السياسة الأبشع في تاريخ البشرية، تم تهجير سكان داريا تحت رعاية دولية، ليغادروا مدينتهم ويودعوا عنبها، إلى شمال سوريا وإدلب بالتحديد.خرج أهالي داريا بتاريخ (26 أغسطس 2016) يوم الجمعة عبر باصات الامم المتحدة على دفعات، تاركين خلفهم شهدائهم الأبرار وذكرياتهم وأحلامهم ومنازلهم، وصلوا إلى إدلب عاصمة الثورة، استقبلتهم إدلب كالأم الحنون شاركتهم أحلامهم وألآمهم، فرحة أهالي إدلب لا توصف بهذا الشرف الكبير فهم استقبلوا أبطال لطالما كانوا أكثر من كابوس لنظام الأسد وميليشياته المتنوعة، رغم عتادهم القليل، لكنهم يتمتعون بإرادة وعزيمة ليس لها مثيل، تم تخصيص أماكن خاصة لأهالي داريا حيث سكنت مجموعة منهم في بلدة أطمة الحدودية في ريف إدلب الشمالي، ومجموعة أخرى في بلدة بابسقا في ريف إدلب الشمالي، بالإضافة إلى مدن “الدانا وسرمدا وجرجناز” في ريف إدلب الشمالي والشرقي.بعد استلام النظام داريا ودخوله لها، وبعد أيام قليلة من ذلك وصلت إلى المدينة أكثر من 300 عائلة شيعية إيرانية لتتخذ من المدينة التي دمرها نظام الأسد بحقده الأسود، مكانا للسكن بعد طرد أهلها وتهجيرهم قسرياً برعاية دولية، ليكون ذلك تغير ديموغرافي للمنطقة ضمن هذه السياسة المتبعة من قبل الأسد وحلفائه، وكانت وصمة العار الأخرى بعد الصمود الأسطوري لأهالي داريا، هي دخول الأسد مع بدر الدين حسون إلى المدينة وأداء صلاة العيد فيها هذا الظالم الحاقد الذي دمر البشر والحجر في داريا ذهب ليرى ما فعل بتلك المدينة الصامدة متجاهلاً بذلك المجتمع الدولي الأخرس.داريا التي كانت حاضنة للثورة الثورية في الجنوب، بعد دمارها وخروج سكانها منها، حكم عليها بدخول الشيعة إليها، لتصبح بذلك مدينة إيرانية بامتياز، ولتكون وصمة عار على ثوار الجنوب وعلى المجتمع الدولي المتفرج وعلى كل من تخاذل في نصرتها، فهل ستنتهي سياسة التهجير هنا أم أنها ستمتد لتلتهم مدن سورية أخرى؟؟كرم إبراهيم