مرتِ العلاقاتُ التركية الروسية خلال سنوات الثورة السورية بتقلباتٍ كثيرة رسمت ملامح التعقيد والتضارب في الآراء، وجاء هذا التعقيد من كون روسيا وتركيا العنصرين الأكثر فاعلية على طاولة المفاوضات بشأن سورية وبمجرد اتفاقها على أمر ما فلا جرم أنه سيحدث، ويمكننا أن نرى قرارات وقف إطلاق النار والمناطق الآمنة والاتفاقيات التي ما كانت لتنجح لولا التفاهم الروسي التركي رغم جميع المشكلات التي حدثت بين البلدين لا سيما حادثة مقتل السفير الروسي، وإسقاط الطائرة الروسية في تركيا آواخر عام 2015.
تبدو المشكلة أكثر تعقيداً في سورية فتركيا التي تفضّل الحل السياسي تصطدم دوماً بصلابة الدب الروسي الذي يفضّل استمرار الأسد في حكم سورية سنواتٍ وسنوات بحجة أنّ الأسد يكافح الإرهاب ويقاتل تنظيم الدولة، وهو في الحقيقة المصدر الأول للإرهاب، لكن مصالح روسيا ومن خلفها إيران وإسرائيل تحول دون سقوطه.
امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بعددٍ كبير من الإشاعات التي صدرت بعد لقاء بوتين وأردوغان في أنقرة وأفادت أنّ الرئيسين اتفقا على ضرورة تنحي الأسد عن الحكم وتسليم من يخلفه، وتواترت أنباء تفيد أن فاروق الشرع قائد المرحلة الانتقالية في سورية، لكن ما يؤخر القرار هو أن تركيا تعارض ترشيح الأسد كرئيس مستقبلي لسورية.
من منظور تركي يبدو هذا الخبر قابلاً للحدوث خاصة بعد هدوء الساحة السورية العسكرية وتوزيع المناطق بين الدول المتصارعة داخل سورية، بالمقابل شهدت الفترة الحالية أكبر نشاطٍ سياسي على طاولة المفاوضات من أستانا إلى جنيف ومؤتمر سوتشي المرتقب الذي سيجمع أردوغان وبوتين لمحاولة إيجاد حل سياسي يوصل للهدوء في المنطقة ويحقق مصالح مختلف الأطراف بنسب معينة.
تركيا ستحاول تأمين مناخٍ آمن ومناسب لإعادة كلّ اللاجئين الذين شكلوا خطراً وثقلاً عليها في كثير من الأحيان لذلك فإنّ إعادة اللاجئين إلى مناطقهم كما حدث في جرابلس والشمال السوري سيدعم العدالة والتنمية داخل تركيا وسيؤمن المصالح التركية في سوريا، ولتوفير ذلك لا بد من تنحي الأسد كخطوة أولى.
أما بالنسبة لروسيا فقد يعتقد البعض أنّ بقاء الأسد سيدعم الموقف الروسي عالمياً وهذا غير صحيح لأن روسيا تكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة، وباختصار: دفعت روسيا فاتورة بقاء الأسد في السلطة.
روسيا تتقصد دوماً إظهار الأسد كأنّه عميلٌ وذنب لها وجندي في جيشها وتكرر ذلك لمرات عديدة آخرها الخطأ البروتوكولي المتعمد أثناء استقبال بوتين في قاعدة حميميم وما تلاه من سخرية وإشاعات كثيرة، ولا يمكننا أن نغفل دور إسرائيل التي تحاول منع إيران من الاقتراب من أراضيها من جهة سورية لذلك فمن المتوقع أن تضغط إسرائيل على روسيا لاستبدال الأسد وتقليص الدور الإيراني في سوريا وجعله بعيداً عن المناطق الجنوبية.
في سقوط الأسد ستكسب روسيا أصدقاء جدد نظرياً، وتوطّد علاقاتها داخل الشرق الأوسط وربما تستطيع إقامة علاقات مع المعارضين السوريين بما يخدم بقاء القاعدة الروسية الأم حميميم، وتكسب بذلك ودّ السعودية وقطر وتركيا، فيكون في استبدال الأسد مصلحة روسية كبيرة ناهيك عن تخلص روسيا من مجرم حرب كانت تحميه.
ربما تكون هذه الاحتمالات مجرد تحليلاتٍ سياسية من المنظور الخارجي دون الغوص تحت طاولة المتنازعين ومعرفة التفاهمات التي تجري بينهم لكن تزامن إعلان الانسحاب الروسي، واللقاء التركي الروسي في أنقرة، ومؤتمر سوتشي، مع رفض النظام للتفاوض يضع أمامنا إشارات استفهام عديدة فما السر؟ وهل يكون سقوط الأسد أو قتله مفتاح التقارب بين الدول المتصارعة؟