تختلف الدول الضامنة على رسم لوحة للفصل الأخير في مشهد الشمال السوري وذلك كان جليًّا في قمة طهران التي حاولت روسيا من خلالها كسب غطاء لمعركة عسكرية، لكن تلويح تركيا بالعصا من خلال عدم تحمل أعباء اللاجئين بمفردها وبالتالي تهديد أوربا من خلال فتح الهجرة، وكذلك التهديد المبطن عن طريق تسليح الفصائل وقصفها لبعض الثكنات العسكرية في الساحل الذي يحوي القواعد العسكرية الروسية، وكذلك مدينة حلب التي تعيش فيها إيران بسلام بعيدًا عن عيون إسرائيل.
ولا بد للحرب الاقتصادية العالمية التي تقودها العقوبات الأمريكية من تأثير سياسي على واقع الأرض السورية ومتغيراتها.
فقد وجدت كل من تركيا وإيران وروسيا أن العقوبات الأمريكية تجمعهم في خندق واحد؛ ولأن إيران أكثر المتضررين اقتصادياً فضلت الانسحاب من معركة إدلب لتقدم تنازلاً لتركيا التي تشتري منها النفط رغم العقوبات الأمريكية، وبذلك تسعى إيران للحفاظ على هذا الحليف الذي يقف بجانبها في الأيام المقبلة العصيبة عليها، وهنا تبقى الكرة بين اللاعب التركي والروسي فقط.
تركيا التي باتت تقترب من خسارة حلف الناتو شيئًا فشيئًا لا بدَّ لها من وجود حليف قوي كروسيا خاصة أنها لا تجد خطورة من نظام الأسد وروسيا على أمنها القومي بخلاف قضية الأحزاب الكردية المدعومة من حلف الناتو وعلى رأسه أمريكا ووجودهم شرقي سورية قد يفرض عليها معركة بأي لحظة لذلك، لا بد من تأمين حدودها الجنوبية بأقل الخسائر فضلاً عن أن تثبيت نقاط المراقبة والعمل عليها في الشمال السوري لأشهر لم يكن لمجرد النزهة بالنسبة إلى الجنود الأتراك، إنما للحفاظ على مصالح تركيا ليكن لها نصيب وافر كما إيران وروسيا.
وبالنسبة إلى روسيا تشكل تركيا أيضًا حليفًا قويًّا وإستراتيجيًّا خاصة بعد صفقة المفاعل النووي وصفقة منظومة (إس 400) فقد وجدت روسيا لنفسها تدخلاً قويًّا على أراضي حلف الناتو ممَّا يعزز وجودها العسكري القريب من الشرق الأوسط. وبالعودة إلى إدلب فهي تشكل لروسيا حيرة من أمرها، فبينما تريد روسيا الجلوس في قصرهم المشرف على قيادة البلاد في قاعدة حميميم واحتساء كأس من الفودكا على أبواب النصر وهي تشاهد أموال إعادة الإعمار تأتي إليها طوعًا، وفي عبق هذا المشهد الجميل لروسيا، تصرخ الفصائل المقاتلة في إدلب لتعكر صفوها وتهدد أمن قواعدها، فهل تشن روسيا عملية عسكرية في إدلب وتسبب نزوح أكثر من ثلاثة مليون لاجئ باتجاه تركيا وأروبا وتخسر ما تحول كسبه منذ أشهر وهي إعادة اللاجئين في الدول الأوربية لكسب نقود إعادة الإعمار فضلا عن خسرانها للحليف التركي الذي لا يريد التنازل عن المنطقة؟ أم تتفق مع تركيا على حل يضمن سلامة قواعدها في الساحل وتثبت للغرب حسن نواياها في إعادة اللاجئين؟
ما حدث بالفعل هو تنازل الرئيسان لبعضهما للحفاظ على علاقات متينة، وكان هذا الاتفاق ملائم للجميع إلا الثورة السورية التي ستخسر نقاط رابطها في مناطق محصنة وإستراتيجية وستمنعهم من التقدم باتجاه الساحل السوري أو مدينة حلب أو حتى حماة فضلاً عن عدم وجود ضامن لهذه الاتفاقية، فالدول تحكمها مصالحها أولاً وأخيرًا ولن تقاتل تركيا عنا إلا إذا اضطرت لأجل أمنها القومي.
إن البند العاشر من اتفاق سوتشي الأخير ينص على محاربة الإرهاب من قبل الضامنين، فكيف ستتعامل تركيا مع هذا الشرط عندما يأتي وقته في ظل وجود ثلاثة ملايين ونصف المليون من المدنيين وتجنبهم جحيم الطائرات الروسية التي من الأساس لا تفرق بين مدني وإرهابي؟! إن غدا لناظره قريب ..