بقلم سعود اﻷحمد
لقد كرم الله اﻹنسان وجعل مكانته عالية بين مخلوقاته، إذ أمر الملائكة التي جبلت على الطاعة والحمد أن تسجد ﻷبي البشر سجود التحية والتكريم. وبذلك استحق اﻹنسان أهلية الاستخلاف واﻷخذ بالتكاليف.
واﻹنسان في المفهوم اﻹسلامي هو جوهر هذا الوجود، والكائن الحامل للأمانة الكبرى، وخليفة الله في أرضه، وفي تكوينه خصائص تمكنه من تبليغ رسالته والقيام بعمارة اﻷرض قبل الانتقال إلى العالم الثاني.
وقد أعطى الله عز وجل هذا المخلوق جملة من الحقوق التي تنسجم وتكريمه ومكانته، ومنها حق حرية التفكير والاعتقاد، إذ بيَّن المنهج اﻹسلامي أنَّ الفكر اﻹنساني يأبى القيود، وأنَّ اﻵراء لا يمكن مصادرتها، وأنَّ العقل إنَّما أوجده الله فيه لكي يفكر به، فإذا ما استعمله استعمالا صحيحا اهتدى إلى الطريق المستقيم، ووصل إلى ثمرته المرجوة.
ويقرر اﻹسلام أنَّ المعتقد لا يفرض على اﻹنسان فرضا، ﻷنَّ طبيعته ترفض القهر واﻹجبار، ولذلك جاء في الذكر الحكيم ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” البقرة 256لا إكراه لعدم الحاجة إلى اﻹكراه عليه، ﻷنَّه كما يقول بعض علماء التفسير لا يكون اﻹكراه إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة آثاره، أو أمر في غاية الكراهية للنفوس، وأمَّا هذا الدين فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه وتبين أمره.
ولا يختلف اثنان في أنه لا فائدة من إكراه شخص ما على فكرة يعتقدها، وأنَّ المُكره على اﻹيمان لا يمكن عده مؤمنا، كما أنَّ المكره على الكفر لا يكون كافرا. مع اﻹشارة إلى أنَّ الله تعالى قد فرض أحكاما على غير المؤمنين من حيث معاملتهم وقتالهم، فعلى الرغم من أنَّ لهم حريتهم الاعتقادية الكاملة إلا أنَّه لا يمكن أن يصل بهم اﻷمر إلى الجرأة على الله ورسوله أو الفساد في اﻷرض وحرب المؤمنين. وقد أطلق الله على تلك الاعتقادات الباطلة (الغي) وسيجازي أصحابها يوم القيامة ﻷنَّها عطلت تفكير اﻹنسان وأفسدت فطرته.
إنَّ حق الاعتقاد والتفكير هو ما يتميز به ديننا الحنيف من الفلسفات والمذاهب الوضعية التي حجرت على العقول، واعتقلت الناس وقتلتهم بآرائهم أو نظرياتهم العلمية كما فعلت الكنيسة في العصور الوسطى، وكما فعلت في اﻷندلس بعد خروج المسلمين منها، إذ أجبرت الناس على التنصر وعذبت وقتلت كل من يجهر بمعتقده المخالف لمعتقد الكنيسة.
وﻷنَّ اﻹسلام يريد الهداية لجميع البشرية لم يمنحهم حق المعتقد وحسب، بل حضهم على القيام المتكرر بعملية التفكير والتدبر والتفكر في خلق هذا الكون والنظر في طبيعة تكوينه وخلقه ليصل إلى بر النجاة، ﻷنَّ المصاب بشلل التفكير سيؤدي به المطاف إلى الانحطاط الفكري حتى يصل إلى درجة البهيمية وإلى الاعتقادات الباطلة التي تضرب جوهر وجوده وتخل بنظام حياته في هذا الكون. ولذلك كرر الحق سبحانه الدعوة إلى إعمال العقل والتفكير “لعلكم تذكرون”، “لعلكم تعقلون”، “أفلا تعقلون”، ” أفلا يتدبرون” فالذين يعطلون عقولهم ولا يستخدمون حق التفكير هم كالدواب التي ليس لها من حياتها غير غرائزها الحيوانية ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُون “َالأنفال (22).