ربما اكتمل رسم الخريطة في الشمال السوري واتضحت حدود الأطراف، وذلك بالتزامن مع استكمال نشر نقاط المراقبة من قبل ضامني أستانة، حيث نشرت الدفاع الروسية خريطةً توضح فيها نقاط المراقبة وتمركزها.
إن هذه الخريطة الحالية لم تكتمل حدودها إلا عبر جولات متتابعة لضامني أستانة، وهذا ما يؤكده اتفاق الضامنين المُسبق وضغط كلٍّ منهم على حليفه لتنفيذ المطلوب مذ شُقوا طريق أستانة ووضعوا حجر أساسه الذي إلى الآن يلفه الغموض والتساؤل حول ماهيته ومآله وسط غياب تام للمعارضة السورية وتأثيرها ومدى فاعليتها حيال الأحداث الجارية على أرضها دون توضيح شيء، فالحدود الثورية الحالية إن صح التعبير رُسمت وفق سياسة الضامن التركي ورؤيته القومية ومشروعه وتحالفاته مع الضامنين الروسي والإيراني الذَين تربطه معهما علاقة إقليمية بدءًا من الحدود وانتهاء بالمصالح الاقتصادية والسياسة لكليهما خاصة حيال العلاقة مع أمريكا وصراعهم جميعًا معها كلٌ حسب مشروعه الذي ينشده، وكذلك حال روسيا وإيران، فالجميع يبحث عن مصالح بلاده على الأرض السورية.
إن الغموض الذي مازال يلف الخريطة الحالية بموجب نقاط المراقبة يتجلى من خلال التساؤل التالي، هل هذه الحدود حاليةٌ لفترة محددة تم الاتفاق عليها أم أنها دائمة يتبعها خطوات أخرى؟! فالحديث عن فتح طريق حلب-غازي عينتاب المغلق منذ العام 2012 برعاية تركية روسية مؤشر يدل على اتبَاع الحدود الحالية بخطوات غايتها إدخال الرضا وتسربه إلى نفوس الشعب السوري الذي أُرهق خلال الأعوام الماضية، والذي بات منفصلاً بحدود مرسومة ضمن وطنه، وما نقاط المراقبة التركية والروسية المنتشرة على طول الطريق إلا دليل يؤكد ذلك، وفتح طريق حلب غازي عينتاب سبقه في وقت مضى فتح معبر تجاري من قِبل هيئة تحرير الشام قرب مدينة مورك بريف حماة مع مناطق سيطرة النظام، بينما يسافر المدنيون عبر طريق قلعة المضيق من الشمال إلى الجنوب السوري.
كذلك نجد إعادة فتح الحديث عن مخرجات سوتشي واللجنة الدستورية برعاية أممية بالتزامن مع وصول خريطة السيطرة الحالية إلى ما هي عليه اليوم، ولو كان مصير الجنوب السوري لم يحدد بعد، مؤشر آخر على ما بعد الحدود المرسومة حاليًّا، وربما اجتماع الرئيس الفرنسي ماكرون مع نظريه الروسي بوتين في مدينة سان بطرس برغ شمال غربي روسيا يوم الخميس الماضي واتفاقهما على ضرورة تشكيل لجنة دستورية في سورية برعاية أممية، لهو إشارة إلى بدء العمل بمخرجات سوتشي المنعقد في كانون الثاني/يناير الماضي، حيث نقلت قناة روسيا اليوم عن بوتين قوله خلال المؤتمر: “نرى أن الأولوية هي تشكيل وإطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية في جنيف” إن كلام بوتين يتوافق ومخرجات أستانة 9 الأخيرة التي أكدت على تثبيت وقف إطلاق النار بشكل دائم وتثبيت مناطق خفض التصعيد وحمايتها، وبذلك تفويت الفرصة على إيران ومن ورائها النظام بفتح جبهة إدلب تحت شعار مكافحة الإرهاب والتذرع بوجود هيئة تحرير الشام التي لم يُعرف مصيرها إلى الآن والتي ربما تكون سببًا في أي وقت لتدخل الدول وقلب الطاولة واللعب بالأوراق من جديد.
خريطة السيطرة الحالية ربما تتبدل في الأيام المُقبلة وفق اتفاقات تجري بين تركيا التي يبدو أنها لن تهدأ حتى تُأمن كل الحدود مع سورية بعمق محدد، فالبارحة أعلنت وزارة الخارجية التركية أن وفدًا من الولايات المتحدة الأمريكية سيلتقي مسؤولين أتراك لبحث ملف مدينة منبج السورية، يأتي ذلك عقب تعليق آمال وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) يوم الخميس على تركيا في حل أزمة الشمال السوري.
أخيرًا يبدو أن مسار أستانة قسمان، الأول متعلق برسم الحدود وأماكن السيطرة ونشر نقاط المراقبة وتثبيت وقف إطلاق النار وهو ما أُنجز حتى الآن، والآخر بدأت ملامحه بالظهور من خلال بدء الحديث مرة أخرى عن الانتقال السياسي وفق مخرجات سوتشي خاصة أن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو أكد في وقت سابق أنه إذا تعسر مسار جنيف وسط عدم رغبة الأوربيين بإحيائه سيُبحث عن مسار جديد وربما يكون أستانة. فهل سيكون مسار أستانة السياسي قادمًا من بوابة سوتشي أم ستتغير المصالح وتُفتح مسارات أخرى يُحددها السوريون أصحاب القضية؟!