يوسف القرشي
إذا تسللت إرادة المصلحة الفردية إلى عملٍ جماعي تدمّرَ وباءَ بالفشل أياً كانت جودةُ أفراده، ذلك أنَّ المصلحة الجماعية تباينُ تماماً أيّ مصالح فردية تطفو على سطح المشروع.
أوجب الإسلام الإخلاص في كل شيء، وجعله لبَّ جميع الأعمال؛ شرعيةٍ كانت أو غير شرعيةٍ، فللشرعية قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) ولغير الشرعية قال رسول الله: (من غش فليس منا)، ولا يختلف مختلفان على أنّ تغليب المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية هو أشنع وأبشع غشٍ وتزويرٍ.
ثورة الشام المباركة انبثقت عن مطلب شرعي ومطلب غير شرعي، فالمطلب شرعي هو رفع الظلم عن المؤمنين والتخلص من أئمة فيهم معتقدات كفرية ما برئوا منها، والمطلب غير الشرعي هو نيل الحرية والعدالة الاجتماعية وأشباه ذلك من الضروريات الحياتية.
فكان بذلك حتما وقوعها؛ فلأجل تلك الأسباب كان لا بدَّ لها أن تقع وليس كما يدعي البعض أنَّها مؤامرة بحتة. وكذلك كانت ديناً السعي فيها؛ لأنَّ الواجب الديني يفرض على المرء أن يكون في صفوفها وينادي بما نادى به أهلها. ولهذا هبّ لها رجال حملوا أرواحهم على أكفُّهم، ومضوا قساوراً ينادون بالحرية يحطمون أغلال الجهالة.
المنطق السليم في هذا الجوّ الحركيّ الجماعيّ يفرض توحيد الحناجر والعمل على تطوير الحراك الجماعي المنظّم؛ فكانتْ لأجل ذلك تنسيقياتٌ تدير شؤون المظاهرات وتتعاون فيما بينها.
استمرت عدوانية الطواغيت وتهاونهم في سفك الدماء فكُتِبَ على أغصان الزيتون أن تستحيلَ إلى بنادق تدكُّ عروش الطاغين؛ فلبَّى لنداء الضمير رجالٌ جادوا بنفوسهم في سبيل الفجر وعاهدوا على تحقيق إرادة شعبهم مهما كلَّف الأمر فشكّلوا إذ ذاك من الأحرار جيشاً.
وفدَ مجاهدون أكارم من مختلف بقاع المعمورة لنصرة إخوانهم، فاستبشرت قلوب المؤمنين بالنصر القريب، غير أنّ تلك الابتسامة العارضة التي زارت الوجوه ما لبثت أن تبدّدت حيث بدأت فصائل تُخوّن وتكفّر أخواتها.
أتنازعٌ وتنافرٌ في مثل هكذا وضع حساس؟! لكن قيل: غمامة وتنقشع، غير أنَّ تلك الغيمة كانت محترفةَ تزاوجٍ وتكاثرٍ.
بدأت لغة التخوين تعلو وتجعجع، وبدأت أطماع الأفراد تستأذب، فصار التفنّن في تسمية الكتائب، وغدت الجانبيات تعظُم فاستُحلّت الحرائر، أمَّا الطاغوت وأولياؤه فمختالون فخورون.
ثمّ إنَّ أشياءً عجيبة حدثت يطول وصفها، ويستشنع ذكرها، ترى أنَّ الحقّ فيها والنصر للبعض صارا مجرّد أسماء وانتماءات، والمنهاج بات لهم متغيراً كما تشتهي المصالح، المهم ألا نخسر قوتنا وهيمنتنا حتى ولو كلف ذلك أذية إخواننا من غير الفصائل، إذا كانت إطالة اللحى تؤتي ثمار المنافع أطلنا، وإذا كان حلقها وترك ما يدلل على الانتماء الإسلامي فعلنا، وهذا التلون إن دلَّ فإنما يدل على مراقبة الغير أكثر ممَّا يفرضه الضمير، تراهم اليوم مع فلان وغدا مع (علَّان)؛ في أيّهما تُجبَى الأضواء له وتعلو عنده الأجور نكون؛ ثمّ ماذا إن استمروا هكذا؟ ثمَّ لن نكون!