بقلم سعود الأحمد
إنَّ جميع المسلمين العاملين في ميدان الدفاع عن دين الله وكرامة اﻷمة يؤمنون إيمانا جازما بأنَّ النصر للمؤمنين، وأنَّ العاقبة للمتقين، وأنَّ التمكين للإسلام، وأنَّ النصر أتٍ لا ريب فيه، ذلك أنَّه وعد من الوعود اﻹلهية التي لا بدَّ أنَّها واقعة، هذه فكرة إيجابية جدا يمكن أن ننطلق منها للبحث عمَّا في طيات الوعود من أسباب وتكاليف أولا، وعما يفترض على الفرد والجماعة فعله بعد النصر الأولي، وإلا فإنَّ الوقوف عند مجرد الوعد بلا عمل يجلبه، واعتزال العمل بعد قطع شوط كبير منه يعني الدخول في الرومانسيات الفارغة أو ضياع الجهود المبذولة.
إننا جميعا مطالبون بالعمل بأسباب النصر ثم التمكين للإسلام، ﻷنَّ التمكين هو اللبنة اﻷساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم، والدعامة التي يبنى عليها المستقبل، وإنَّه لا عبادة كاملة ولا عدالة كاملة ولا عزَّ كاملا بالمعنى الحقيقي إلا بالتمكين في اﻷرض، وبدونه سيصبح الدين جملة من اﻷفكار الجميلة التي تثري المعرفة والمكتبة أو فلسفة يتم مناقشة نظرياتها عند سهرة المساء، فلا شكَّ أنَّ النصر يبقى ناقصا إن فقد هذه الثمرة العظيمة، ويبقى نصرا مجازيا إن لم يحقق أهداف الجهاد الحقيقية، وبفقدان هذا الهدف الذي يكمل مسيرة من تاجروا مع الله بأموالهم وأنفسهم من أجل دينه سيصبح العمل حركة في فراغ وسيرا على غير هدى يخبط خبط عشواء.
إنَّ الوعي بالعمل الجهادي والتغيير الثوري يجعل اﻷفراد العاملين في هذا الفضاء الواسع ينطلقون من اﻷهداف، وأولها كما أكدنا تحقيق التمكين لقيام دولة الحق والعدل، فالنصر على أنظمة الطغيان والاستبداد ليس غاية في ذاته، إنَّما هو خطوة من الخطوات لا بدَّ منها، كما أنَّ سقوط النظام لا يعني توقف العمل وإقامة حفلة اعتزال يحضرها المعجبون، فربما يكون الجهاد الحقيقي بعد مرحلة سقوط الطواغيت، ذلك أنَّ النصر ليس محبوسا على التفوق القتالي في الميادين العسكرية، بل هناك نصر في الميادين السياسية، وهذا يحتاج إلى تخطيط وجهود وتضحيات، وربما يكون تحقيقه أصعب من تحقيق نصر البندقية.
لا يختلف معنا عاقل أنَّه من الظلم أن تتوقف الجماعة العاملة عن جهادها ليقطف ثمار العمل غير أصحابه، وأنَّ يتصدر للحكم الخارجون على مشروع اﻷمة المنعزلون عن تاريخها وحضارتها المحاربون لنهضتها.
لا ترضى الرؤية اﻹسلامية ألبتة بما يمكن تسميته بسرقة الجهود والمنجزات، بل إنَّها لا تسمح بذلك وتحارب كل من يعمل له ويقف خلفه، وترفض عقلية الدروشة التي ترضى بسرقتها وامتهانها وتعطي خدها لكل من يريد ضربها ثم تبكي لتشعر بشعور المظلومية الذي سيكسبها الكثير من الحسنات، دعونا نؤكد أنَّ أبعاد النصر عنصر مهم في التصور الإسلامي، ولا مجال للجدل حوله، ومن واجب الجماعة العاملة أن تسثمر انتصاراتها العسكرية لتنطلق إلى مجال آخر يخدم مشروعها ألا وهو العمل السياسي، لامتلاك رؤية سياسية واضحة تأخذ شرعيتها ممن قدموا الغالي والرخيص، وتملأ الفراغ السياسي الذي سيعقب سقوط الاستبداد والطغيان، ﻷنَّ المجتمع ينتظر في هذه المرحلة من يمثلهم سياسيا، وربما يلجؤون إلى سرقة النصر الصيادين في الماء العكر إن خلت الساحة لهم.
ولذلك نركز هنا على الوعي السياسي منطلقا للتمكين، الوعي الذي يتمثل بحسن التخطيط واﻹدارة والتنفيذ والعمل لتحقيق مصالح البلاد وعزة أهلها، والذي ينقل الثورة من حالاتها الفوضوية الشعبية إلى العمل المنظم الذي يدير الحرب ويحفظ الجهود وتضحيات الشهداء، وبذلك تتحقق ثمار النصر وتقطف بالتمكين لمشروع الحق، وتموت في اﻷذهان فكرة الاعتزال أو تسليم البلاد للجماعات التغريبية التي ستستيقظ فجأة بعد انتهاء الحرب وتتذكر أنَّ لديها وطنا يجب العودة إليها لتلبسه تنورة فوق الركبة وتصطحبه في نزهة لتقنعه ببيع نفسه كما فعلت اﻷوطان التي باعت نفسها!
يجب أن نعيَ معنى التغيير الذي نعمل له معا، وأن نعلم أنَّه عمل سياسي بالدرجة الأولى، عمل له آلياته الجديدة وأساليب إدارته المختلفة، وهو قبل كل شيء تلك اﻷمانة الكبيرة التي تحملها معي وأحملها معك ونحملها جميعا.