يبدو أن التنظيمات الشبابية صارت من أهم المجالات التي يحاول الجميع الاستثمار بها، وعندما نتحدث عن الجميع فإننا نقصد بهم (منظمات المجتمع المدني، والتيارات العسكرية والسياسية، والمجتمعية الحركية)، إلى جانب عدد كبير من المنظمات التي تعمل لمصلحة الدول الإقليمية، أو الدول صاحبة النفوذ في سورية.
إن ازدياد النشاطات بما يخص الشباب يشير إلى أن حلاً قادمًا للمشكلة السورية قد صار قريبًا، وإن جميع الفاعلين في سورية يبحثون عن وجود ثقل على الأرض ينعكس في الحاضنة الشبابية، وفي تمكين الفكر الذي يحملونه داخل هذه الحاضنة من خلال عدد كبير من المشاريع التي تحمل في داخلها تدريبات وورشات ذات صبغة فكرية وإيديولوجية وتنظيمية للشباب والشابات.
وفي هذا النطاق أيضًا يوجد استهداف منظَّم للمرأة وحراكها في الداخل، ودعم لمختلف المشاريع التي تعزز التيارات النسوية في الداخل السوري سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام وحلفاؤه، أو تلك التي تقع تحت سيطرة المعارضة وحلفائها. والذي سنتحدث عنه في مقالة قادمة.
إن هذا الواقع يفرض على الشباب تحديًا كبيرًا للمحافظة على استقلاليتهم ووعيهم بقضيتهم وقرارهم ووطنيتهم بعيدًا عن أي مشاريع لا تمثل الحرية التي ناضلوا في سبيلها أو المرجعية التي ينتمون إليها في بُعديها الثقافي والعقائدي، والتي شكّلت مع مرور الزمن الهوية السورية لقاطني هذه البلاد.
إن أهم ما يمكن فعله في هذه الأوقات هو أن يبدأ الشباب بتنظيم أنفسهم من خلال أطر أفقية سهلة الإدارة بعيدًا عن الهيكليات التنظيمية المرهقة، التي تحتاج ممكنات كبيرة وتفرغًا وظيفيًا يجعل من السهل السيطرة عليها من قبل من يملكون التمويل اللازم لصناعة هذه الممكنات، ويحوّل الحرك الشبابي لحراك وظيفي متعلق بالمعيشة أكثر ممَّا يتعلق بالأهداف الوطنية الجامعة والحرية، وبذلك يسهل السيطرة على هذا الحراك وخلق الصدام داخله من خلال التباين الإيديولوجي الذي ستنتجه هذه التيارات المختلفة، وبذلك إمّا أن تتم السيطرة عليه أو أن يتم تفريغ الطاقات الشبابية في الصراعات الداخلية التي تُدمِّر الأوطان بدلاً من بنائها.
وإن أول المؤسسات التي يجب أن تحتضن هذا التنظيم هي المؤسسات التي يقوم الشباب أنفسهم ببنائها بجهود تطوعية خالصة (كالنقابات، واتحادات الطلبة، والروابط الشبابية المختلفة).
يجب أن يبدأ الشباب في التجمهر والتجمع وتحديد ما يريدونه بأنفسهم، قبل أن تُطرح عليهم برامج جاهزة تجعل منهم آلات لصناعة أمجاد الآخرين، ويجب أن يكونوا على قدر كافٍ من الوعي والبحث عن التوعية في قضاياهم الأساسية قبل أن يتحولوا للكفاح في سبيل قضايا الآخرين، وإلا فإن جهد عشر سنوات، وسيلًا كبيرًا من التضحيات والدماء سيتم هدرها بدون فائدة، ولمصلحة كيانات أخرى لا تمثل الوطن الذي نحلم به.
المدير العام | أحمد وديع العبسي