غسان الجمعة |
على أبواب العام العاشر للثورة السورية تعيش المناطق المحررة، كسابق سنواتها التي أعقبت التدخل الروسي، حالةً من التراجع الميداني وسط ظروف إنسانية وسياسية صعبة ومعقدة حولت مسارها من حدث إقليمي ودولي مؤثر إلى أرضية خصبة لذرائع الدول الكبرى للتدخل في الشأن السوري في سياق صراعها وتنافسها على مصالحها في سورية، بل وتصفية حساباتها الخارجية على الأراضي السورية.
اليوم على الخريطة الجغرافية في حساب نسب السيطرة ربما يستطيع المتابع حسم المعركة لصالح روسيا وحليفها الأسد، سيما أن روسيا باتت ممسكة بشكل كامل بالملف السياسي وتعمل على فرض رؤيتها بالمساومة مع باقي الدول المؤثرة من جهة، وبالتدمير والتهجير مع الشعب السوري الثائر من جهة أخرى، والسؤال اليوم هل يمكننا القول: إننا قد هزمنا أو كُسرنا؟
في البداية هذا الطرح الذي يدور على ألسنة بعض السوريين هو غير مقبول أساسًا؛ لأن مطالب الشعب السوري منذ انطلاق انتفاضته لم تكن برسم شخص أو فئة أو بلدة أو تيار أو حزب، بل هي ثورة شعب بما تعنيه القضية من معانٍ، يُقدَّم لها الغالي والنفيس وتتناقل رايتها الأجيال دون أن تحيد عن مبادئها أو تتنازل عن أهدافها التي ارتوت بدماء الشهداء وكُتبت بأنين المعتقلين وبزغ فجرها مع أول صرخة كرامة، ولا يحق لأحد طمس حقوق السوريين بالحرية باتفاق أو تسوية أو تنازل لأنها غدت شعلة نور يفترض بمن حملها المضي بها دون أي خيار حتى لو بقيت وميضًا يداعب مخيلتنا وحديث ضمائرنا فقط.
أما عن نصر الأسد، فعلى الرغم من إعلانه (تحرير) الأرض ممَّن يسميهم (الإرهابيين) فإنه لم يحصل سوى على مدن أشباح وضواحي ترتع بها عصاباته، وأخرج الآلاف من منازلهم فرارًا منه، بل إن من عاد إلى (حضن الأسد) لا يتجاوز أعدادهم من أدخلهم من المرتزقة والميليشيات للتنكيل بالسوريين.
وأما من هم تحت سطوته فلهم مع الذل والهوان حكايات تبدأ من رغيف الخبز ولا تنتهي بأسطوانة الغاز، فأي نصر يتشدق به النظام وأبواقه بانهيار اقتصادي وفساد اجتماعي وشروخ طبقية وطائفية وعرقية زرعها بين السوريين ليغوص بكرسي السلطة من جديد في هذه البيئة بعد أن لفظه السوريون في 15 من آذار 2011؟!
اليوم لم يبقَ من سورية الأسد سوى سطوتها الأمنية وإعلامها الممانع وشعب مغلوب على أمره فرض عليه بدل الديكتاتورية ثلاث، وبدل عصابة واحدة عشرات يحكمهم أمراء حرب وزعماء ميليشيات تقتات من فتات شركات سورية بوتين، وتمانع بوهم العقود الإيرانية التي تستثمر بالسرقة والنهب باسم عقود الإعمار.
هذه هي صورة الانتصار من الداخل التي يظهرها الأسد وشبيحته ليس لهم فيها سوى لعب دور الشرعية وقمع اصوات المقهورين.
بالمقابل فإن الثورة السورية، على الرغم من انحيازها عسكريًا بعد كل صمود، ورغم تعثرها سياسيًا عقب كل جولة مفاوضات، فإن أبناءها يسجلون انتصاراتهم في كل المجالات بعيدًا عن طغيان الأسد، وذلك إيمانًا منهم بأن الثورة رسالة والرسالة يحملها الإنسان في أي بقعة يستقر فيها.
انتصرت سورية الثورة على سورية الأسد بتفوق كل طالب، ونجاح كل طبيب ومعلم، وبكل منصة يعتليها سوري يناهض سلطة الأسد، ومع كل فشل يضع نظامه على مؤشرات التراجع وذيول التصنيفات، انتصرت ثورتنا رغم آلامها بكل خيمة رفضت العودة إلى منزلها تحت سقف حذاء الأسد، ولن نستسلم حتى تعلو رايتنا بدمشق وكل المدن السورية، أو نفنى بحبها.