عبير علي حسن
باختلافات متباينة بين مجتمعنا العربي والمجتمعات اﻷخرى، ورغم التقدم والتطور الحاصل إلا أنَّه لا تزال الناس تعيش وفق نمط معين ومنهجية ثابتة قد يصعب تغييرها أو يحتاج ذلك لجهد كبير ووقت ليس بالقصير لتخطيها.
وسعياً منَّا ﻹحياء نظام صحيح قويم، ومجد يشابه مجد الإسلام في عصر قوته وازدهاره، لا بدَّ لنا أولاً أن نعي أنَّنا لن نطال مجداً مالم يكن التشريع الإسلامي مناطه اﻷول والأخير، ويتطلب ذلك تدبراً وفهماً عميقاً، فاﻹسلام ليس التشدد إنَّما الحرية بذاتها، بل هو العدل كله، وربَّما كان باطننا متمسكاً بعرى الإسلام، لكن ظاهرنا يعاني قصوراً في تطبيقه وإفراطاً في التمسك بالعادات والتقاليد، ويظهر هذا اﻷمر بوضوح عندما يتعلق بالمرأة و حقوقها في متابعة تعليمها، أو في اختيار زوجها أو تحديد الوقت الذي تجدُ نفسها فيه مؤهلة لذلك، فيرغمونها أن تتقبَّل ذلك ضاحكة، بينما يقحمونها المؤسسة الزوجية ويرسلونها في قطار سريع إلى الوجهة التي لم تعيها بعد، وذلك درءاً لها من مسمى العنوسة الذي يهدد استقرار الأهل النفسي في المجتمع! فتبدو الصورة وكأنَّنا نقول: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ” البقرة 170
وكثيراً ما يزرعون بأنَّ المرأة مآلها إلى بيت زوجها، وأنَّ الإسلام حثَّ على الزواج المبكر وأوجبه، لكن جهلهم لحقيقة دعواهم التي يتشدقون بها أودى بهم إلى مصائب عظام لم تكن في الحسبان، فلو أنَّهم عرفوا أنَّ الإسلام أصلاً لا يوجب الزواج إلا على المقتدرين ليس جسدياً ومالياً فحسب بل أن يكون لهم القدرة النفسية لتقبل الحياة الزوجية في حلوها ومرها وتقبل الطرف اﻵخر والاستعداد التام لتحمل كافة الأعباء معه، لَمَا عادت إليهم تلك الفتاة وحدها ومطلقة، أو مطلقة ومعها أولاد! فالمهم عندهم أنَّها تزوجت ولم تبقَ في بيتهم عانسة!
هذا فقط مثال بسيط، وما نحن فيه اليوم ما هو إلا مواجهة تصحيحية عنيفة بين ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا من عادات وتقاليد، وبين الطريق العدل الذي رسمه الدين لنا ببساطته، وعلى ما أعتقده أنَّ على هذه المواجهة أن تتطور لتثبت جديتها، فاﻷمر يستحق هذا، سيَّما وأنَّها لم تأتِ مباغتة، بل بعد أعوام طويلة من الدعوة، وحسناً ما فعله سيدنا إبراهيم-عليه السلام- حين لجأ إلى تكسير اﻷصنام بعد دعوته التي لم يلق لها بالا ؛ فالشدة و الحزم سيدتا المواقف الحاسمة، ولا أعني في ذلك أن نحمل سلاحاً في مواجهة بعضنا البعض، بل أن نحمل أفكاراً وردية أخلاقية سموحة منفتحة على التطور و تغير اﻷزمان، لكنَّها تبقى في الإطار الشرعي لا تتعداه مهما يكن.
ومن الطبيعي أن يؤخذ كلامنا على محمل الاستهزاء بداية اﻷمر، وأنْ نجد في طريقنا مستنسخات عديدة من أبي جهل وأبي لهب ممَّن يتعنتون بأفكارهم تعنّت الجاهلية اﻷولى.
فلنكن على أهبة الاستعداد ولا ندع ذلك يحبطنا ويعيقنا، ولنتذكر دائماً أنَّنا في ثورة فكرية على المعتقدات الخاطئة لا على أهالينا وأسلافنا، و لنأخذ بيدهم من الظلمات إلى النور، ولنكن واقعيين أيضاً ولا نبخسهم حقهم كلَّ البخس، فلا تزال معتقداتنا وعاداتنا تحمل من المروءة والاعتزاز مالا تحمله معتقدات أي مجتمع آخر حتى وإن تعرضت نساؤنا للظلم بفعل أيدينا و جهلنا، إلا أنَّها تبقى بحال أفضل بكثير ممَّا هي عليه في الهند بلد الحضارات مثلاً، فعلى العروس عندهم أن تزحف على قدميها و يديها باتجاه العريس الذي بدوره يستقبلها بقدمه حيث يضعها على رأسها معبراً بذلك عن رجولته معلناً إتمام الزواج.
وليس ذلك بعيداً عن مدعي التحرر أيضاً، ففي أستراليا على العريس أن يطرح عروسه أرضاً بشكل عنيف حتى تغيب عن الوعي، ثمَّ يحملها إيذاناً بإتمام المراسم!
نريد العلا ونريد المجد، فلا للمقارنة مع هذا وذاك تناسبنا، بل صعوداً جريئاً إلى القمة التي غايتها رضا الله، وذروتها في سمائه العالية في جنة الخلد.
3 تعليقات
Nour kejjah
موضوع جميل
وفقكِ الله
ليلى
قراءتك جيدة لواقع المرأة المسلمة في هذا العصر
تابعي وفقك الله
وفاء حسن
التغيير لملائمة الزمن و مستجدات العصر بات ضرورة ملحة….و آن الأوان فعلا لمحاربة الجهل و الاستنساخ الأعمى .