عندما بدأت الانتفاضة في سورية لم نكن جاهزين لها، لم نخطط، ولم نرتب لأي شيء، حدثت فجأة وبشكل لم نكن لنصدقه في البداية، انطلقنا في ميادينها بحماسنا الطفولي، وتلقينا كل تحدياتها وأسئلتها البسيطة والمعقدة بعقليتنا المندفعة فقط للانعتاق والحرية، تلك العقلية لم تكن مُعدّة لهذا النوع من الصدمات والتحديات، ولم تكن قد عاينت شيئًا مشابهًا منذ أمد طويل.
واجهنا كل شيء بطفولية عابثة، بكامل عيوبنا ونواقصنا وشخصيتنا التي تشبه ذلك النظام الذي تربينا في مداجنه أكثر من أربعين عامًا، لم نمتلك الوعي الكافي للتحكم بالأحداث من حولنا، كانت الأحداث هي من تتحكم بنا وتعيد صياغتنا بدل أن نفعل العكس، كان كل شيء بسيطًا بالنسبة إلينا، ولم نكن نمتلك من الفضيلة ما يحمينا من الانجرار وراء أساليب بشعة قام بها البعض في حربه من أجل الثورة! الثورة التي حملت المبادئ وأهدرتها في الوقت نفسه في طريق الوصول إليها.
بعد عشر سنوات تقريبًا، وبعيدًا عن أي مناسبات أو ذكريات تمنح هذه الكلمات وقعًا مختلفًا، لا بدّ أن نعترف أن الثورة في بداياتها كانت أكبر من تصوراتنا وقدرتنا على المضي في طريقها، لقد تاهت بساطتنا في تعقيدات الآخرين الذين أمسكوا الثورة وفق أيديولوجياتهم، كانوا مقنعين لأنهم يعرفون ماذا يريدون، وكنا ضعفاء لأننا ظننا أنهم يريدون تحقيق أهدافنا التي لم تكن قد تشكلت بعد بصورتها النهائية، فأعادوا تشكيلها لنا مرارًا.
اقرأ أيضاً: لا مكان نعود إليه
من حسن حظنا أن الثورة لم تنتصر، منحتنا كل هذه الفرصة الطويلة لنشكل وعينا، لنصبح أكثر استعدادًا لمفاجآت شبيهة بها، كانت تجربة قاسية ومريرة جدًا، مليئة بالآلام والفقد والدماء، ولكن من الجيد أننا عشنا هذه التجربة لفترة طويلة سمحت لنا بأن نكبر معها، دون أن تتجاوزنا نجاحًا أو فشلاً، دون أن نسقط في داخلها، أو أن نمرَّ منها على سجيتنا الأولى فيُعاد تشكيلنا مرة أخرى كما حدث في تلك التجارب التي مرت سريعًا حولنا.
ربما أحد الانتصارات التي حققناها في هذه التجربة أننا لم نخرج منها بعد، ما زلنا نعارك أنفسنا وأعداءنا فيها، ما زلنا نمتلك الوقت لكي نستطيع الإمساك بها، صحيح أنها تطحن عظامنا، ولكننا لسنا من ضحاياها، ولم تستطع حتى الآن تجاوزنا ورمينا خارجها.
إذا أردنا أن نكون أفضل علينا أن نستطيع تصور ما هو قادم من أجل الاستعداد له، علينا ألَّا نحذف أي مستحيلات من خياراتنا لكي لا نسقط من جديد عندما يصبح أحد هذه المستحيلات واقعًا كما الثورة، القدرة على التصور والاستعداد نصف المعركة، والنصف الآخر يقوده الوعي والمواجهة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي