أحمد الأحمد
مع قدوم فصل الربيع تتجدد المشكلة القديمة الجديدة، حيث تخرج يرقات الجراد من ثباتها لتنشر عبر الحقول الزراعية، ولتعلن أن ثمَّة خطر يلوح في الأفق، ولتنبئ بقرب كارثة تحل على مواسم الفلاحين، ولتنذر بموسم زراعي سيء يكون من حظ أسراب الجراد الذي ينتشر في الحقول بشكل لا يصدق، ففي كلِّ خطوة تخطوها يتطاير من أمامك مئات إن لم نقل آلاف الأفراد من الجراد وبحجوم مختلفة.
لقد تنبه المجلس المحلي في بلدة (معرة حرمة) مستشعرا هذا الخطر الذي يتهدد الجميع في مواسمهم ولقمة عيشهم، فأصدر المجلس بيانا مهما مستصرخا وشاحذا الهمم لمواجهة هذا الخطر، جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
“يتوجه المجلس المحلي في بلدة معرة حرمة بنداء عاجل للمنظمات الإنسانية لمكافحة آفة خطيرة تجتاح المحاصيل الزراعية في ريف إدلب الجنوبي وهي انتشار الجراد وخصوصا في بلدتنا لتفشي هذه الآفة بشكل كبير….
إذ إنَّ المحاصيل الزراعية التي يعتاش عليها أغلب سكان ريف إدلب في خطر كبير في حال عدم مكافحة هذه الآفة…..
ونتوجه بهذا الطلب خصوصا إلى مديرية الزراعة في إدلب الحرة وخصوصا الدكتور (خالد الحسن) مدير الزراعة لتحمل مسؤوليتهم الكاملة في مكافحة هذه الآفة والمحافظة على مصدر عيش أهلنا من الهلاك…..”
لهذا تمَّ استبيان الأمر من أصحابه، إذ تحدث إلينا الدكتور (خالد الحسن) مدير الزراعة بإدلب بقوله: “استشعرنا مدى خطورة هذه الآفة من السنة الماضية، وتوجهتُ بنداءات مختلفة لمن يساهم في مكافحة أسراب الجراد، وقد أمنتِ المديرية كميات كبيرة من الأدوية والمبيدات الحشرية ووزعتها على الفلاحين بشكل مجاني، ووجهتْ بضرورة رشِّ هذه المبيدات في الحقول بأسرع وقت ممكن، لأنَّ الأمر قد زاد عن حدِّه المسموح فيه، وقد تأخر الموضوع قليلاً، لكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، إذ يجب استدراك الأمر ورشِّ المبيد في هذا الشهر (نهاية نيسان وبداية أيار) قبل أن يستفحل أمره وينتقل إلى الأشجار لا سيما أشجار الزيتون، فيقضم البراعم الزهرية الخضرية، وبالتالي القضاء على موسم الزيتون بشكل كبير بعد أن ألحق أضرارا جسيمة بالمزروعات الشتوية، وهنا أريد أن أهمس همسة إلى أنَّ أولئك الذين يصطادون ويطلقون النار على أسراب اللقالق المهاجرة والطيور الأخرى ويمنعونها من أن تحطَّ على الأرض، أقول لهم: أنتم تساهمون من حيث لا تدرون في زيادة أعداد الجراد على الأرض، لأنَّ اللقالق والطيور الأخرى أعداء طبيعيون للجراد، ويساهمون مساهمة كبيرة فيما يسمى بالمقاومة الحيوية.”
وعن دورة حياة الجراد بشكل أوضح وأوقات انتشاره وتكاثره بيَّن لنا المختص الأستاذ (فؤاد الخطيب) ما يلي: “إنَّ هذه الحشرة تمرُّ حياتها بثلاثة مراحل هي: البيضة، والحورية، والحشرة الكاملة، وتختلف طول كل مرحلة حسب الظروف البيئية، وقد يتراوح العمر الكامل للجراد بين شهرين ونصف إلى خمسة أشهر على الأكثر، ويتوقف كلُّ ذلك على سرعة النضج الجنسي، وتموت الجرادة بعد أن تضع عدد كبير من البيوض التي تفقس عندما تكون شروط الوسط ملائمة إلى حوريات، ويكون ذلك في الغالب مع بداية فصل الربيع.”
هذا وقد بين لنا أحد المزارعين المدعو (وليد الحسن) مشاهداته حول الأضرار التي يخلفها الجراد قائلاً: “إنَّه على مدى العامين الماضي والحالي، ينتشر الجراد بأعداد كبيرة جداً في الحقول، وقد أضر العام الماضي بالموسم الزراعي بشكل كبير ممَّا أدَّى إلى تراجع الإنتاج وخاصة إنتاج أشجار الزيتون، حيث قضمت كميات كبيرة من البراعم الزهرية، ممَّا أدَّى إلى ضعف شديد في الإنتاج، وهذا العام أيضاً ليس أفضل حالا من السابق، إذا لم تتم مكافحته بشكل جيد، فالأعداد كبيرة جداً تفوق المتوقع، ونحن نسمع من المختصين عن قدرته على التهام الأطنان من الأجزاء الخضراء من النباتات خلال فترات زمنية قصيرة جداً، لهذا فنحن كلنا أمل أن تبادر بعض الجهات المعنية وخاصة وزارة الزراعة أو المجالس المحلية لرش الحقول بالمبيدات الحشرية الخاصة، لأنَّ الأمر يحتاج إلى جهود متكاملة لرش كافة الحقول، لأنَّ رشَّ حقل دون آخر لا يغير بالمشهد شيئا.”
إنَّ الحفاظ على سلامة المواسم الزراعية هي بالتأكيد استقرار وثبات للمواطن في أرضه ووطنه، وعند توفر لقمة العيش ورغيف الخبز بشكل خاص يجعل الإنسان أكثر استقراراً وثباتا وتمسكا بوجوده، وإنَّ تناقص الإنتاج يدفعه للحاجة، وبالتالي يبحث عن حلول وبدائل عبر الآفاق، ما قد يدفع به ليكون خارج البلاد في هجرة قد تطول وربَّما تكون الأخيرة، ومكافحة الجراد جزء من الأمن الاقتصادي للفلاح واستقراره.