ميرنا الحسن
عالم النساء الحقيقي يقابله عالم افتراضي على الإنترنت يصاحبهن َّمنذ سنين، إلا أنَّه تطور واتسعت دائرته مع تطور مراحل التكنولوجيا، فمثلما تبني كلُّ امرأة يوميًا علاقاتها مع أخريات لا تعرفهنَّ مسبقًا سواء في الطرقات أو صالونات الحلاقة، أصبحت تتعرف يوميًا على مئات النساء ومشاكلهنَّ وثقافاتهنَّ المختلفة، وتتبادل معهنَّ الحلول والآراء، وكلُّ ذلك عن طريق مجموعات الفيس بوك (الجروبات النسائية) المتعددة الأهداف والأعمال.
ومن المجموعات ماهي مهتمة بالطبخ والتدبير المنزلي والتسلية وبحث الأمور الاقتصادية والسياسية والدينية والطبية، ومنها الجروبات الاجتماعية المعنية بطرح مشاكل النساء من شتى دول الوطن العربي، ومحاولة تجاوزها عبر الحلول المطروحة من أعضاء المجموعة، وغيرها الكثير…
إلا أنَّ الحروب ولا سيما في سورية أضفت على الجروبات نظرة أخرى من جوانب عدة، وذلك لأسباب كثيرة أولها أنَّها باتت ضرورة ملحة في ظلِّ هجرة ملايين الناس خارج الحدود السورية ومحاولتهم معرفة كلّ تفاصيل بلدهم ومشاكل عائلاتهم ومعرفة كلّ ما يتصل مع المتبقين داخلها.
ناهيك عن غياب معظم الأطباء المختصين بالعلاج النفسي من جهة، وعدم إيمان كثير من الناس باللجوء إليهم، ووصفهم بالمجانين من جهة أخرى، فضلًا عن أنَّ دراسات نفسية أثبتت أنَّ الأشخاص دائمًا يميلون للحديث والفضفضة عمَّا بداخلهم من حزن ومشاكل إلى أشخاص غريبين لا يعرفونهم ولا يمكنهم أن يهددونهم بها تحت أي ظرف كان.
وبما أنَّ لكل ظاهرة أو عمل جانب سلبي وآخر إيجابي لا بدَّ من ذكر الطرفين كي يكتمل شرح أي صورة وترتسم معالمها ليكتمل فهمها في الذهن.
وهذا ما أكدته الخبيرة النفسية “راندة حسين” في أحد كتاباتها عن (الفضفضة) عندما أوضحت أنَّ كلَّ شيء له جانب سلبي لابدَّ أن ننتبه إليه، الفضفضة شيء محمود لكن بحدود، فالأمور الشخصية، والمشاكل الزوجية والأسرية لا يجب الخوض فيها، فقد يتدخل الشخص المستمع في محاولة للإصلاح، ليتسبب بتفاقم المشكلة بدلًا من حلها، لأنَّه سيقترح عليه حلولًا ممَّا سمعها من طرف واحد.
ومن جهتها أضافت “سماح” 35 عامًا سلبية أخرى للجروبات بعد أن كثرت بشكل لا طبيعي، وهي أنَّه باتت نساء كثر يعتبرنَ الجروبات تسلية يسخرون بها من هموم ومشاعر الأخريات المطروحة، هذا غير أنَّهنَّ لا يعرفن من يطرح الحل، وهل هو محل ثقة أو كفء، معربة عن احترامها للمجموعات المضبوطة المراقبة باستمرار، والتي لا تضيف كلَّ الفئات.
وليست الفائدة والمنفعة مادية فقط ضمن معظم الجروبات النسائية، إنَّما تعدتها إلى المنفعة المعنوية كونها تكسب بعض النساء دعمًا نفسيًا ينسيهنَّ مصاعب الحياة المتزاحمة حولهنَّ خاصة نساء سورية اللاتي يواجهنَ المشاكل مجتمعة.
ومنهن “عائشة” 30 عامًا التي قالت: “ربَّما أجمل شعور إيجابي منحتني إياه الجروبات النسائية هو أنَّها حجَّمت لي مشكلتي مع زوجي مقابل المشاكل الأسرية العصية المطروحة أمامي، بل أنستني الإباحة بها، وتحول دوري إلى إنسانة إيجابية تقدِّم النصائح العامَّة لمشكلاتهم علّها تساعدهم قليلًا في الحياة”.
ومن أشهر جروبات العالم الافتراضي المصغر للنساء “ملتقى سيدات الشارقة” الذي تأسس في أغسطس 2015 البالغ عدد عضواته حتى هذا العام 700 ألف من السيدات على مستوى العالم، وهنَّ بازدياد يوميًا، يتبادلنَ فيه الأحاديث العامة والعبرة منها، هذا غير تأمين دورات تعليمية وغيرها لعضوات منه بشكل مجاني موجود في الإمارات كون إدارته تعمل على جذب فعاليات اقتصادية وثقافية وخدماتية على امتداد الإمارات.
وحول هذا ذكرت مسؤولة الملتقى السابق “رزان أبو دقة” لوسائل إعلام عدة عن إنجازاتها بالنسبة إلى الملتقى بمساعدة عضواته سواء قيامها بحفلات بعد بلوغ عددهنَّ داخله 100 ألف، وإجراء مسابقات يحصل من خلالها الفائزات على جوائز قيمة، والاستمرار عبر الملتقى بزيارة دور الأيتام وتقديم الهدايا التي تدخل الفرحة إلى قلوبهم.
“ملتقى ميديا بريدج، نساء الجنة، مجتمع سيدات، نساء بلا وطن …” وغيرها الكثير من المجموعات والصفحات على الفيس بوك باتت كتابًا إلكترونيًا مفتوحًا تلجأ النساء إليه متى أردنَ الاطلاع على ما يجري حولهنَّ وما هو بعيد عنهنَّ من أحداث ليقسنَ أوضاعهنَّ معها ويكتسبنَ ملء وقتهنَّ بما يفيدهن، ويقمنَ بحل جزء من مشاكلهنَّ، أو يزيدنَ من ثقافتهنَّ.