من الطبيعي جدا أن تكون الجماهير على الأرض، وليست في السماء مثلاً، لكن المهم الذي قصده العنوان أنها ليست في الإنترنت.
في الفترة الأخيرة ينال جمهور الإنترنت أهمية بالغة، فهو الذي يشكل الرأي العام، ويحشد تجاه القضايا المهمة، ويتم اتخاذ القرارات وفق ميول هذا الجمهور، الذي يسوِّق لما يعتقده بطريقة فطرية.
ربما هذا الأمر ليس خاطئاً، في الشؤون التجارية، أو الأمور متوسطة الأهمية، ففي هذه الأمور يكون جمهور النت (مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي) يعبِّرون بشكل ما عن بقية الناس القابعين على الأرض، يُجرون خلف أعمالهم ولا وقت لديهم لمتابعة كلِّ شيء.
لكن عندما تكون القضايا الكبرى محل الطرح، علينا العلم أنَّ رواد مواقع التواصل ليسوا هم الجمهور الحقيقي، إنهم في أحسن الحالات لا يشكلون سوى 15% من العامة من بقية الناس الذين يجب أن تؤخذ تطلعاتهم بعين الاعتبار في مثل تلك القضايا، إضافة إلى أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي متأثرون بمحيطهم الافتراضي، وهم أكثر عزلة عن الواقع الحقيقي، إنهم بشكل أو بآخر أصحاب رأي وقضية، أو متابعين جيدين، لديهم الوقت ليكونوا على الفضاء الافتراضي أكثر من وجودهم على الأرض، إذ يشكلون طبقة اجتماعية معينة هي إحدى طبقات المجتمع وليست كله، وتعدُّ من الأقليات فيه، فعندما يتم الحشد من خلالهم تجاه قضية ما فمن الطبيعي أن تكون النتائج مختلفة عن الحقيقة، وقد تكون متوافقة، مع لحظ شيء غاية في الأهمية:
(إننا نميل للتجمُّل والمُثل أمام الناس وفي منابرنا الافتراضية)
هذه الملاحظة مهمة جداً، لأنها ستبين أن الخطاب نفسه الذي يتم تبنيه في العالم الافتراضي بطريقة مثالية أو مبدئية ليس بهذه الحدّة عند أصحابه، ناهيك عن أنه ليس كذلك عند بقية طبقات المجتمع.
في سورية، ومن خلال مخالطة الناس خاصة جماهير المناطق المحررة، تستطيع أن ترى بوضوح أن الغالبية لا يبحثون عمَّا تقاتل من أجله نخبة الإنترنت. إن كثيراً من هذه النخبة قد يختلف خطابه الشعبي بين الناس عن ذلك الخطاب الذي يتبناه في الحقيقة.
أنا لا أدعو أبداً إلى الانجراف وراء التيار الذي يمثله الناس على الأرض دون وعي، لكن أدعوا إلى الكفِّ عن ادعاء تمثيلهم والنطق بأحلامهم وادعاء تنفيذ مطالبهم، … إن مطالبهم وأحلامهم أبسط بكثير ممَّا نذهب إليه نحن الذين نمثل النخبة الافتراضية، ونتعالى من خلف شاشاتنا كالأبطال، بينما الجماهير الحقيقية تموت في طريق ما نريد …
علينا أن نسمعهم دائماً خاصة في القضايا الكبرى كالتي نمرّ بها، وإن أبَينا ذلك، فعلى الأقل علينا ألَّا نتجاهل موتهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي