رغم ما تحققه آلة القتل الروسية ومن خلفها ما يسمى محور المقاومة من تقدم على جبهات الغوطة الشرقية مستخدمة ذريعة الإرهاب لتأمين محيط آمن لنظام الأسد على جثث المئات من القتلى المدنيين وآلاف المهجرين، تحركت هذه المرة الولايات المتحدة لكن ليس من أجل السوريين بل من أجل مصالحها الإستراتيجية بطريقة مختلفة في مواجهة هذا التمدد على الجغرافية السورية.
فإعلان “لا ورقة ” الذي تبنته الدول الغربية لم يجدِ نفعاً مع طموحات بوتين الذي يسعى لتطبيق النموذج الشيشاني في سورية، كما أن المحاولة الروسية باتجاه مناطق شرق الفرات التي تعتبر خاضعة للنفوذ الأمريكي كانت صادمة للتحالف باعتبارها تحدٍّ واضح للهيمنة والقوة الأمريكية، وأول اشتباك حقيقي يقف من خلفه الروس (شركة واغنر) رغم خسائرهم التي وصلت إلى 300 مرتزق ما بين قتيل وجريح.
وبالانتقال إلى تطورات الجنوب السوري، أعلنت حميميم أن منطقة خفض التصعيد في درعا مهددة بالانهيار بحجة وجود عناصر متطرفة تقاتل مع فصائل المعارضة (الذريعة المثالية للهجوم على مناطق المعارضة) وهو ما التقطته الدبلوماسية الأمريكية باعتبارها تنطوي على رسالة تهديد لها لإسرائيل أيضاً بما أن الإيرانيين هم من يتقدمون على الأرض.
بعد هذا التغيير في مسارات اللعبة من قبل موسكو سارعت الولايات المتحدة لإجراء تغييرات في آليات المواجهة مع روسيا سياسياً وعسكرياً على المستوى الإقليمي والعالمي.
البداية كانت باستثمار الولايات المتحدة قضية الجاسوس الروسي الذي قتل على الأراضي البريطانية بتدبير روسي حسب تصريحات الخارجية البريطانية باستخدام غاز كيميائي، حيث طالبت الولايات المتحدة روسيا بالكشف عن ترسانتها الكيمائية، وإلا ستتعرض للمزيد من العقوبات والعزلة الدولية التي بدأتها بريطانيا بمقاطعة مسؤوليها لحضور كأس العالم 2018 المزمع انطلاقه في روسيا.
ثم أعقب ذلك تغييرات على مستوى الإدارة الأمريكية، حيث تمت إقالة وزير الخارجية تليرسون وتعيين أحد صقور البنتاغون في منصب الخارجية الأمريكية (بومبينو) المعرف بعدائه للاتفاق النووي وللنشاط الروسي التوسعي.
كما أن تهديدات هيلي (المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن) بتحرك الولايات المتحدة منفردة في حال لم تضغط روسيا على نظام الأسد لوقف هجماته ضد المدنيين لم يكن مجرد كلام دبلوماسي كما ألفته موسكو بل ترجمته واشنطن بتعزيز قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية وأعقبته بطلب اجتماع عاجل لحلفائها في الجنوب لبحث الشأن السوري في إشارة واضحة لرغبتها في إعادة تشكيل غرفة عمليات الموك المتوقفة منذ عامين.
هذه التحركات المتسارعة في كلا الطرفين لم تعد تندرج في سياق تقسيم النفوذ، بل أصبحت أقرب إلى ما يشبه الاستعداد للمواجهة والاشتباك خاصة بعد أن كشفت صحيفة الرأي الكويتية عن انتقال الثقل العسكري لميليشيا حزب الله اللبناني من عدة مناطق في الشمال والشرق السوري نحو الجنوب السوري الذي من الممكن أن يكون ساحة لمواجهة أقل ما يمكن وصفها بأنها معركة كسر العظم.