بشار الأحمد |
أثبت المهجرون السوريون قدرتهم على الصمود في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية، فمع إعطاء الخيام “القماش” للمهجرين، قاموا باستغلال بعض الاختراعات والتكنولوجيا لتوفير بيئة مناسبة وأسهل للحياة في المخيم.
أقصى الشمال الغربي من المناطق المحررة، بالقرب من مدينة سلقين يقيم (محمد أبو أنس) النازح من ريف حماة ضمن مخيم (صامدون) الذي دفعته سوء الأوضاع المعيشية في المخيمات خاصة، وغلاء الأسعار في المحرر عامة إلى صنع موقد للطبخ (التفية) يعتمد على أدوات متوفرة، وتكاليف بسيطة.
يقول (أبو أنس) مُتحدّثًا مع حبر: “نتيجة الظروف الصعبة التي نواجهها من ارتفاع لأسعار صرف الليرة وعدم ثباتها أمام العملات الأجنبية، وعدم القدرة على إيجاد فرصة عمل، وبسبب غلاء المحروقات وجرة الغاز، قررت صنع موقد أستطيع به التغلب على الصعوبات التي تواجهنا أثناء إعداد الطعام، فقمت بتجهيز كل ما يلزم من عدة لصنع (التفية)”.
(أبو أنس) بدأ العمل على صنعها بما تيسر له من مواد بسيطة، شارحًا لنا الطريقة، بقوله: “قمت بجلب (تنكة) زيت فارغة، و(تنور) مدفئة مستعملة، بالإضافة إلى مروحة صغيرة تُستخدم في بعض الأجهزة الإلكترونية، ثم قمت بقص مكان صغير أسفل (التنكة) ليتم وضع المروحة التي تعمل على كهرباء بقدرة 12V ثم صنعت فتحة أعلى (التنكة) يتم من خلالها إنزال تنور المدفئة بداخلها، ويتم من خلاله أيضًا وضع الحطب وبعض المواد القابلة للاشتعال مثل البلاستيك و (البيرين). “
يقول (أبو أنس) إن هذه الطريقة لاقت إقبالًا من أغلب سكان المخيم، ووصل عددها إلى أكثر من مئة (تفية) داخل المخيم، كونها لا تحتاج مصاريف كبيرة.
يشار إلى أنه تم تثبيت سعر أسطوانة الغاز في الشمال السورية بـ 53 ليرة تركية نتيجة عدم استقرار سعر الليرة السورية التي تُعدُّ أيضًا بعد تثبيت سعرها غير متوفرة بهذا السعر أغلب الأوقات.
(سلوى أم خالد) إحدى قاطني المخيم، نظرًا لانعدام الغاز المنزلي اضطرت إلى استخدام (التفية) لطهي الطعام، وبررت استخدامها لها، بقولها: “بسبب سوء الأوضاع المعيشية في المخيم، وعدم توفر الغاز وقلة الدخل، أُجبرنا على استخدام (التفية) للطبخ”.
إلا أن هذه الطريقة لا تخلو من المخاطر والسلبيات على الرغم من وجود الإيجابيات، حيث يُعدُّ الدخان المنبعث منها ضارًا ويؤثر على الجهاز التنفسي الذي قد يؤدي إلى الإصابة ببعض الالتهابات فيه، فضلًا عن خطر حدوث الحرائق التي كثرت الفترة الأخيرة في المخيمات نظرًا لسرعة اشتعال الخيام.
(محمد أبو ياسر) الذي يعاني من حساسية في الجهاز التنفسي، لم يستطع استخدام مثل هذه الطريقة؛ لأنها سوف تزيد معاناته مع مرضه قائلاً: “اضطر لشراء أسطوانة الغاز بسعر 53 ليرة تركي؛ لأن الدخان المنطلق من (التفية) يؤثر على تنفسي، وأفضِّل شراء أسطوانة الغاز على الرغم من غلاء سعرها وضعف الدخل وعدم توفر فرص عمل”.
الجدير بالذكر أن المواطن السوري أثبت جدارته في قلب واقعه المؤلم إلى واقع جيد ومفيد رغم كل ما يعصف به من تحديات التهجير والحرمان من أبسط حقوقه الأساسية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، حيث احتفل الشارع العالمي لعدة مرات بسوريين أبدعوا في عدة مجالات، وأثبتوا للعالم أجمع أن الإنسان قادر على بناء نفسه ومجتمعه إذا استغل الفرص واجتهد على نفسه لمواجهة المحن والصعوبات التي تقف عائقًا في طريقه للقمة.