قناة الجزيرة |
لا يبالي الإعلامي والناشط السوري الشاب هادي العبد الله كثيرا بالجنس الروائي الذي ينتمي له كتابه، فهو يعلم أن من يتجول بين دفتيه سيغرق في التعرف على “الحالات الحرجة” التي عاشها السوريون خلال ثماني سنوات هي عمر ثورتهم إلى اليوم.
ويروي العبد الله في كتابه -الذي أعلن عن إطلاقه رسميا مساء أمس السبت في مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر بمدينة إسطنبول التركية- الكثير من قصص الموت والحياة التي رافقته ورفاقه في رحلة تدوين الشهادة على قضية شعبه.
ولا يرى بكل الأحوال في كتابه -الصادر عن دار “جسور” للترجمة والنشر في إسطنبول- وثيقة تاريخية بقدر ما يعتبره شهادة حية على واقع ما زال السوريون يتفاعلون معه داخل الوطن وفي الشتات.
ويقول العبد الله للجزيرة نت إنه حاول في الكتاب نقل قصته مع الشهداء الأربعة رائد الفارس وخالد العيسى وحمود الجنيد وطراد الزهوري الذين عايشهم الثورة والذين تشبه حكايتهم حكاية المليون شهيد في سوريا.
هو واحد من الإعلاميين والناشطين السوريين الذين واكبوا فعاليات الثورة السورية منذ بداياتها، ووثقوا الكثير من قصصها، وقد ولد في القصير بحمص عام 1987 وحاز على جائزتي “الصحافة” من منظمة “مراسلون بلا حدود” وجائزة “الصحافة الألمانية” عام 2016.
وأضاف العبد الله “نقلت العهد للشهداء من خلال فقرة في الكتاب اسمها العهد المكلف تروي قصة الإصابة التي تعرضت لها مع خالد العيسى عام 2016”.
ومن يعرف العلاقة بين العبد الله الشاهد والعيسى الشهيد يفهم كيف ولدت قصة “الحالات الحرجة” ويفهم سر الترحيب الحار الذي قدمه المؤلف لوالدة الشهيد حين حضرت لقاء الإعلان عن كتابه.
ففي عام 2016 توجه الرفيقان إلى منطقة جسر الحاج في حلب لتوثيق مجزرة ارتكبها النظام السوري هناك، وبينما كانا منشغلين بتصوير الواقعة عادت مروحيات الأسد لتغرق المكان ببراميل الموت، فأصيب كلاهما برأسه قبل أن يتماثلا للشفاء.
عقب تلك الحادثة أحس العبد الله بمرارة فقد صديقه فطلب منه أن يعاهده بأن يحافظ على نفسه ولا يعرض حياته للخطر، لكن العيسى أبى وطلب من رفيقه أن يعاهده على أن يكمل كل منهما مسيرة الآخر في حال استشهاده، وهذا ما كان.
ويؤكد العبد الله أن كتاب “الحالات الحرجة” الذي يقع في 192 صفحة من الحجم المتوسط يمثل تجربة شخصية حاول من خلالها أن يعيش الثورة من جديد وأن يروي للناس كيف عاش بنفسه الحدث، وكيف كانت مشاعره منذ أن شارك بأول مظاهرة إلى اليوم.
ويشير إلى أن كل ما ورد في الكتاب حقائق لا تخالطها أي كلمة أو سطر من خيال المؤلف أو المحرر، موضحا أنه سيضمن المزيد من الوقائع التي استرجعها بعد إرسال الكتاب للطباعة في طبعات لاحقة.
حكاية شعب
وتزدحم سردية الشاب السوري بلون الدم وتفوح منها رائحة البارود المنبعث من براميل الموت في حمص والقلمون وريف دمشق والقصير، لكنه لا يتردد في نسب دور البطولة في كل تلك الوقائع لرفاقه الذين قضوا على درب الثورة.
وأمام العشرات من الشبان السوريين والعرب قال العبد الله إن فكرة جمع مشاهداته في كتاب قد ولدت بعد استشهاد العيسى الذي ترك رحيله في نفسه ألما كبيرا دفعه إلى حد التفكير بالانتحار.
وأشار إلى أن صديقه المحرر جود اقترح عليه أن يكتب كل ما مر فيه من مشاهدات على الثورة السورية على أن يتولى جود مسؤولية تحرير هذا الكتاب الذي لا يحمل صورا أدبية بقدر ما يقص من سير وشواهد من أيام الثورة.
يرتبط اسم الكتاب بدراسة العبد الله لمساق “العناية بالحالات الحرجة” في كلية التمريض بجامعة حمص، قبل أن يتوجه لدراسة الماجستير بهذا الاختصاص، فهو يرى أن كل ما عاشه الشعب السوري ويعيشه حالات حرجة.