أكثر من 12 ألف حاج سوري ذهبوا لأداء فريضة الحج هذا العام عبر دول متعددة من لبنان ومصر والأردن وتركيا حسب ما نشر الائتلاف السوري المعارض على صفحته الرسمية، وقد ساعد الائتلاف الوطني في تسهيل أمور الحجاج لهذا العام، كون المملكة اعتبرته ممثلا رسميا عن الشعب السوري.
لم يقصد الحجاج السوريون زيارة بيت الله وأداء فريضة الحج فحسب، بل كان فرصة لهم لأداء صلوات التضرع والرجاء والدعاء لله في الأراضي المقدسة لإنهاء مأساة الحرب في بلادهم، فقد حملوا في قلوبهم وذاكرتهم هموما وآلاما من الوطن الذي بات الموت والدمار لا يفارقه، فلكل حاج سوري حكاية مؤلمة.
عائشة امرأة من مدينة إدلب تقيم في الرياض منذ حوالي 8 أشهر تروي لصحيفة حبر ما مرَّ عليها في رحلة الحج لهذا العام، ومن المؤسف أنَّ معظم الحجاج السوريين الذين خرجوا لأداء فريضة الحج قد حملوا في قلوبهم الخوف والرعب اللذين عانوا منهما في سوريا بسبب القصف والقتل والاعتقال من قبل قوات النظام، فباتوا يشعروا بالخوف والقلق كلما رأوا حاجزا على مداخل الأماكن المقدسة التي تقيمها السلطات السعودية، أو من الطائرات التي كانت تجوب فوق الحجاج حفاظا على أمن المسلمين جميعا في الحج.
قالت عائشة:” قبل دخولي لمكة استوقفني حاجز سعودي وطلب مني الجواز، وبدون وعي بدأت ارتجف وشعرت كأنني أقف على حاجز لقوات النظام في سوريا المعروفة باعتقالاتها لكثير من السوريين، أما صديقتي أم محمد البالغة من العمر 38 عام من بنش في ريف إدلب ترفع رأسها للسماء كلما مرت مروحية تصوير سعودية وكأنها تتأكد أنَّها آمنة وليست كتلك المحملة ببراميل الموت التي تسقط فوق رؤوس المدنيين في سوريا”..
في فندق الريس بمكة المكرمة اجتمعت السوريات من كافة المدن والمحافظات ” حلب وإدلب وحمص ودرعا وحماة وريف دمشق وباقي المناطق السورية” تحت سقف واحد، حيث تركزت معظم أحاديثهن عن المجازر التي أفقدتهن أحبتهن وفلذات أكبادهن وحولت بيوتهن لكوم من الحجارة، وبعضهن تحدثن عن معانتهن في دول اللجوء، وكنَّ يختمن أحاديثهن بقراءة القرآن والتكبير والتسبيح على نية الفرج في بلدهن سورية.
أم عمار امرأة مسنة في الستينات من الأتارب بريف حلب: ” فقدت شابين من أولادي على جبهات الصراع في سوريا وأنصح الأمهات بإرسال أولادهن لمواجهة الطاغية، فإن لم نمت على الجبهات سيدفننا النظام تحت ركام بيوتنا”.
تضيف عائشة: ” ما لفت انتباهي في رحلة الحج أنَّ الشعب السوري تعود على الصبر في مواجهة مصاعب الحياة، حتى أثناء الوجبات التي يقدمونها لنا في الفندق، يأكلها الجميع وحتى الأطفال دون أي تعليق كباقي الأولاد هنا، فما مرَّ علينا في سوريا من حصار ومعاناة كان عونا لنا على تحمل المشاكل التي تواجهنا في الحج”.
وقف على “جبل عرفات وفي وادي منى” شباب وشابات وأطفال وشيوخ، وأفرغوا جَعبهم من هموم وقهر وآلام حملوها من سوريا، فمعظمهم فقد عزيز إما من أهله أو أقاربه أو له معتقل في سجون النظام أو مهاجر، متضرعين لله عز وجل بقلوب منكسرة ودموع حارقة لعلها تكون ساعة استجابة.
تنهي عائشة حديثها بحرقة في القلب ودمعة في العين، “كنَّا كالأخوات والصديقات جمعتنا هموم واحدة، حملنا معنا وطننا الجريح، أتمنى أن يستجيب الله لدعواتنا ويتقبل منَّا الحج، وأن أجتمع معهن تحت سماء سوريا، فآلامنا وهمومنا وأرضنا واحدة.”
سنوات الحرب غيَّرت الكثير من العادات والطقوس في وداع واستقبال الحجاج، فمعظم من ودَّع الحجاج إمَّا عبر الرسائل الهاتفية وإمَّا عبر زيارة خاطفة، وجميع المودعين يوصون الحجاج بالدعاء لسوريا وأهلها بالفرج القريب.
وعند انتهاء رحلة الحج يستعدُّ أهالي الحجاج لاستقبالهم بغياب الزينة والضيافة والهدايا التي تعوَّد عليها السوريون أيام السلم، فلا مكان للفرح، وكل يوم يسقط عشرات الشهداء.
سلوى عبد الرحمن