باتت نهايةُ تنظيمِ الدولةِ قاب قوسين أو أدنى في العراقِ وسوريا، ولكن مع هذه النهاية ستبدأ فصولٌ جديدةٌ من الصراعِ الإقليمي والدولي لن يكونَ فيها لحروب الوكالةِ أيُّ دورٍ رئيسي إنما ستكون المواجهةُ علنيةً بعد القضاءِ على شمّاعة التدخلاتِ (داعش) حيث ستجدُ الإدارة الأمريكيّة نفسَها وجهاً لوجه مع النفوذ الإيراني وتعهداتِ ترامب الانتخابيّة والإقليمية بقطعِ الأذرعِ الإيرانيّة الممتدّةِ خارجَ حدودها.
موسكو التي تسعى لخلقِ جوّ الحلِّ السياسي وتخفيضِ التوتّرِ تستعدُّ عملياً في الخفاءِ للمواجهةِ المحتملةِ بين الميليشيات الإيرانيّة وقوات التحالفِ الدولي التي لن يجدَ ترامب بديلاً عنها لمواجهةِ الضغوطِ الداخليّة التي تتَّهمه بالتواطُؤ مع موسكو وحلفائها في مدِّ نفوذِها على حسابِ الولاياتِ المتَّحدة في الشرقِ الأوسط، هذه المواجهةُ تكشفَت حيثيَّاتها في اتفاقِ هامبورغ بين ترامب وبوتين، وكان اتفاق الجنوبِ السوري نموذجها المصغَّر عندما قبل بوتين به على سبيل فتحِ قناةٍ جديدةٍ مع أمريكا وتسكين الغضبِ الإسرائيلي من التواجد الإيراني المدعوم روسياً.
وعندها ستواجِه الإدارةُ الأمريكية معضلةَ الفصل بين ميليشيات الأسد وميليشيات إيران التي تعملُ بغطاءٍ روسي وسيكونُ الموقفُ الروسي على مفصلٍ مهم في سياسته الدبلوماسيّة والعسكريّة عندما تطالبها الولاياتُ المتّحدة بضرورة خروج هذه الميليشيات المصنّفة على قائمةِ الإرهاب بعد تنظيمِ داعش.
إنَّ المواجهةَ الإيرانيّة والأمريكيّة أمام أعينِ الروس ستضعُ السياسةَ الروسية في موقفِ النفاق أمام ميليشيات الأسد و حلفِ ما يسمى (محور المقاومة ) وستدفع إيران لرمي كلِّ أوراقِ الضغط على ساحة هذا المشهدِ بما فيه الملفُ النووي وستعملُ على ضرب التواجد الأمريكي بالعراق المحتقِن أصلاً من خلال ميليشياتها بعد الرسائلِ التي أرسلتها واشنطن بقصفها الحشدَ الإيراني على الحدود السورية العراقية ومنعها هذه الميليشيات من المشاركة في تحرير مدينة تلعفر العراقية.
ومن المؤكد أنَّ سيناريوهاتِ المواجهة بين إيران وأمريكا هي رهنُ التفاهماتِ الروسية الأمريكية حول سوريا و أوكرانيا غير أنَّ الروس سيكونون أمام خيارين اثنين إمَّا الغرق في المستنقع السوري مع أعداء واشنطن أو الحفاظ على المكتسبات الاقتصاديّة و العسكرية التي حققتها في سوريا بعيداً عن أتون هذا الصراع الذي يحضَّر له في حين يبقى الخيار الثاني هو الأكثر احتمالية والذي ستتبناه موسكو بناءً على التجارب السابقة عندما التزمتِ الصمت بعد القصف الأمريكي لمطار الشعيرات، والضربات الإسرائيلية على مواقع حزب الله الإرهابي.
وتبقى تصريحات دي مستورا الأخيرة بالنسبة للحلِّ السياسي البعيد عن الرؤية الإيرانية طوق النجاةِ للدبِّ الروسي في سوريا قبل دخول الولايات المتحدة في مرحلة الصدام وليس الدبلوماسية مع المحور الإيراني وهو ما تعيه جيداً موسكو التي ستفقد عنصر القوات الأرضية و من أجل ذلك فهي تبحث مسبقاً عن تهدئةٍ و حلول مع المعارضة السورية التي من المفترض أن تتوحَّدَ منصاتُها خلال الشهر القادم وفقاً لأسسِ وقواعد مقرراتِ جنيف.