تعتبر المونة من أساسيات المطبخ السوري المعروف بألذ وأشهى أطباقه، وتعتمد النساء بشكل أساسي على تثليج أو تجفيف الخضار أو كبسها بالملح لاستخدامها في فصل الشتاء، حيث تقل الخضار بينما يرخص سعرها في فصل الصيف، وتوضع هذه الأغذية في مكان مخصص داخل المنزل يسمى “بيت المونة”.
تبدأ الأسر بتحضير المونة منذ بداية الربيع وحتى نهاية فصل الصيف ومن أبرز هذه المؤن السورية ” المكدوس اللبنة _ الجبن _ورق العنب رب البندورة-الفليفلة_ المخللات _ المربيات _الزيتون ودبس الرمان والعصائر بأنواعها بالإضافة للخضار المجففة من باذنجان وقرع ونعناع وملوخية وغيرها من الخضار والمؤن التي لا يمكن إحصاءها” حتى أنَّ بيت المونة السوري يبدو كسوق كاملة موجود في غرفة أو خزانة.
ولكن خلال السنتين الأخيرتين من الحرب اختلف تحضير تلك المؤن لأسباب كثيرة أبرزها، غلاء أسعار الخضراوات والتنقل المستمر داخل المدن السورية، فلا تكاد الأسرة تحمل سوى بعض الثياب هذا إن تمكنوا من حملها وقت القصف المستمر، إضافة لهجرة الكثير من المزارعين للأراضي الزراعية بسبب الجفاف والقصف المستمر خاصة في سهلي الغاب وحوران وغوطتي دمشق، حيث كانت تلك الأراضي تؤمن كميات كبيرة من الخضراوات للسوريين، كما وإنَّ تصدير بعض منتجات الخضار لروسيا كان له أثر في ارتفاع الأسعار، وكذلك انقطاع الكهرباء لساعات طويلة جعل الكثير من الأسر تنتقل من التفريز إلى التيبيس.
أبو محمد تاجر خضار في مدينة إدلب يربط ارتفاع سعر الخضار بارتفاع أجور نقل المحاصيل والدولار:” تكسدُ بعض المواد أثناء نقلها من مكان بعيد كالبندورة والتين، ولا أتوقع في أن تنخفض أسعار الباذنجان أو الخيار أو الثوم وغيرها من الخضار التي يعتمد عليها السوريون في تحضير مونة الشتاء خاصة البندورة التي وصل سعر الكيلو إلى 200 ليرة سورية”.
لا يكاد يخلو مطبخ سوري من المكدوس، حيث يعتبر من أهم المؤن، ووجوده على المائدة يخفف من تكلفة وجبة الفطور، يحتاج في تحضيره إلى الباذنجان والفليفلة الحمراء والجوز والزيت، إلا أنَّ ارتفاع أسعار هذه المكونات كان سببا في عدم وجوده في كثير من البيوت، فقد وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 125 ليرة والجوز 3500 ليرة، أما الفليفلة فقد وصل سعرها إلى350 ليرة، والزيت إلى1800 ليرة سورية، ليصل سعر مطربان المكدوس ما يقارب 4500 ليرة سورية!!
ممَّا جعل الكثير من ربات البيوت الاستعاضة عن الجوز بالفستق السوداني، وزيت دوار الشمس بدلا من زيت الزيتون، أمَّا بالنسبة إلى المربيات، استغنت عنها عائلات كثيرة بسبب ارتفاع سعر السكر الذي وصل لأكثر من450 ليرة سورية للكيلو الواحد.
أم محمد ربة منزل من مدينة إدلب قالت: ” لم نعد نضمن حياتنا ليوم غد بسبب القصف المستمر من طائرات النظام التي تشل حركة الأسواق في المدينة، لذلك نعيش كل يوم بيومه، ولم نعد نملك المال الكافي للمونة التي كانت تسد رمقنا في فصل الشتاء الطويل”.
وقد عملت بعض المنظمات على إقامة مشاريع صغيرة لإعالة بعض أسر الأيتام والمعتقلين ومنها تحضير المونة، فقد عملت منظمة بارقة أمل النسائية على دعم هذا المشروع.
قالت ندى سميع مديرة بارقة أمل لجريدة حبر: ” نساهم من خلال مشاريعنا الصغيرة على مساعدة المرأة وتمكينها من إيجاد عمل يليق بها كامرأة من خلال دعم هذه المشاريع بالإمكانيات المتاحة لإعالة أسرتها وللحفاظ على التراث والعادات القديمة، كالمونة والخياطة والصناعات اليدوية وتدوير المواد القديمة، أمَّا عن المونة التي تحضرها النسوة فنقوم بشراء الخضار للنساء اﻷرامل فيقمن بتنظيفها وتيبيسها، ثم نبيعها للأسر الميسورة ونوزع الأرباح على الأمهات المعيلات”.
كان للمونة السورية طعم خاص، لكن الحرب المشتعلة لم تبق لأي شيء نكهة بعد أن دثرت الكثير من العادات والتقاليد السورية بسبب الهجرة والنزوح والفقر الذي بات يخيم على مايقارب80% من الشعب السوري حسب منظمة الاسكوا.
سلوى عبد الرحمن