لطالما كنت مقتنعاً أن الحروب الدينية ليست إلا كذبة كبرى يقوم بها السياسيون وأمراء الحرب لكي يحشدوا الناس على ساحات الموت والنار، هدفهم بذلك تحقيق مصالحهم بعيداً عن الواجب الديني الذي يموت من أجله المجاهدون، بدأ ذلك بوضوح مع الحمالات الصليبية التي ادّعت أنها تريد نصر المسيحية في الشرق وانقاذها من براثن الإجرام الإسلامي، فكان ضحيتها كما توثق كتب الصليبين أنفسهم آلاف القتلى وقتئذٍ من المسلمين واليهود والنصارى، والعديد من المكاسب السياسية والمالية، مازال حجمها مخطوطاً في كتبهم إلى اليوم .واستمرت هذه الحركة .. فتصلبت معظم الحروب فيما بعد ذلك، ولم يخرج عن تلك الظاهرة إلا المسلمين، حيث كانت العقيدة الإسلامية تنص على عدم جواز إقامة هذا النوع من الحروب، أما حرب الفتوحات فيعلم دارسي التاريخ أنها كانت حروب تحرير للشعوب المظلومة من طغيان ظالميها، كانت حروباً من أجل الحرية حيث لا يسمح للمسلمين وغيرهم من ممارسة دينهم أو الدعوة إليه، أمّا البلاد التي سمحت للمسلمين بنشر دعوتهم فلم تفتح عنوة، وإنما انضمت إلى دولة الإسلام، والأمثلة على ذلك كثيرة لمن أراد التبصر في التاريخ تبدأ من بيت المقدس ولا تنتهي عند حدود الصين .فيما عدا ذلك خاض المسلمون كغيرهم من الأمم حروباً سياسية كثيرة، كان هدفها توسعة رقعة دولتهم، وقتال من يتربص بهم ويقاتلهم من الدول الأخرى، ولم يجبروا أحداً على اعتناق دينهم، يحكمهم في ذلك قوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” وكثيراً ما كانت تنتهي هذه الحروب بمصالحات ضمن شروط الأقوى، تصل في بعض الأحيان إلى علاقات دبلوماسية عالية المستوى كما بين الرشيد وشارلمان .إن السرد التاريخي هنا يطول جداً، ولكن حسبي أن أشير إلى تداعي أصحاب الحرب الصليبية مهما اختلفت مسمياتها على أرض سوريا، لا يريدون من حروبهم تلك إلا تحقيق مصالحهم الضيقة على حساب الشعوب التي امتلأ قلبها إيماناً وحقداً بآن معاً، فلم تعد تميّز أمام ما تتعرض له من عظم إجرام المجرمين بين الحق والباطل، وصار أصحاب الأهواء هم المتحكّمون بمصير هذه الشعوب، يدعونها إلى أهوائهم وضيق فهمهم وأديانهم التي ما أنزل الله بها من سلطان.علينا جميعاً أن نراجع إيماننا جيداً بعيداً عن آلام الحرب ولون الدماء وغشاوة الأحقاد، علينا أن نستعيد ما ثرنا من أجله، أن نكون شجعاناً بما يكفي لنقف في النهاية إلى جانب المحاربين من أجل الحرية نصرة للمظلومين حيث أمر الله في كتابه: “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” المدير العام / أحمد وديع العبسي