اشترى والدا بارنيوايتر بيتهما عندما كان في بداية المرحلة الثانوية في بريطانيا عام 1981 يقول: ” لقد تصرفا وفقا للتقاليد البريطانية، بيت كبير رهن كبير”.
وبعدها بفترة قصيرة حدث ركود اقتصادي كبير فارتفعت نسبة الفائدة إلى 17%, وكان على والديه أن يقللا من إنفاقهما كي يتمكنا من دفع أقساط الرهن العقاري، فأُلغِيَت الرحلات كلما اقترب موعد التسديد، وتغير موقف وايتر عن المال للأبد، يقول وايتر: “لقد اقتنعت بفكرة أن اقتراض مبلغ كبير من البنك أمر مخيف جدًا”.
وقضى شبابه محاولاً ألَّا يُوضَع في الموقف الذي وُضِع فيه والداه.
ونال شهادة في الاقتصاد وعمل محاسبًا قانونيًا، وهي المهنة التي مكنته من فهم لغة المال، وعمل في مجال التمويل لعشرين سنة، لكن نموذج حياته لم يزدد ترفاً مع ارتفاع راتبه التدريجي الذي بدأ بـ 12500 جنيه (16000دولار).
ولأكثر من عشرين سنة، قام وايتر بادخار ما لا يقل عن نصف راتبه كل شهر من أجل التقاعد وكذلك أي علاوات إضافية، ويذهب إلى العمل على الدراجة الهوائية بدلاً من القطار ويقلل من الشرب. وهو الآن بعمر 48 عامًا وكان قد جمع مالا يمكّنه من التقاعد بسن 43.
لكن قبل تقاعده بسنة واحدة عرف مدونة “السيد موني موستاش” التي يكتبها الكندي بيتر آدني الذي يبلغ من العمر 44 سنة، وعندها أدرك وايتر أنه أصبح عن غير قصد منه جزءاً من حركة عمالية تنمو باستمرار تُدعى فاير (الاستقلال المالي والتقاعد المبكر).
بداية فاير
التقاعد المبكر لهذه الحركة قد يكون عنواناً خاطئاً لها، فالكثير من أعضاء فاير لا يخططون لقضاء خمسين سنة في اللعب على الجسور أو الذهاب في رحلات فارهة، وبدلاً من ذلك يركّزون على الاستقلال المالي: والهدف هو لجمع ما يكفي من مال لقاء وقت التقاعد، والعيش ببساطة ما أمكن بحيث يمكن قضاء العقود التالية بعمل شيء آخر غير الاحتجاج على رفع الضرائب والسعي للترقية الوظيفية أو القلق من الرهن العقاري الكبير.
ورغم أن هذه الأفكار كانت موجودة في مجتمع الإنترنت منذ سنوات إلا أن الحركة لم تتشكل إلا منذ سنوات.
في البداية اكتسبت شعبيتها في الولايات المتحدة، وجذورها تمتد إلى التسعينات مع صحيفة تدعى (تيجتواد غازيت) وطبعت الصحيفة عددها الأخير في شهر كانون الأول سنة 1996، لكن الحركة الاقتصادية تواصلت على الإنترنت لا سيَّما بعد الآثار المؤذية التي خلّفها الانهيار المالي سنة 2008.
واليوم يتابع الآلاف حول العالم البث الإذاعي والفيديوهات ويشاركون بالمناقشات حول الحياة المتقشفة، ويتلقى القائمون على البث الإذاعي أكثر من سبعة آلاف رسالة عن كل حلقة، وهي ضمن أفضل مئة شركة استثمارية حسب بيانات شركة آبل الأمريكية، ويوجد أيضا منتديات لحركة فاير في أستراليا وبريطانيا وهولندا والهند، حيث يتبادل الناس النصح والمشورة.
وهذه المجتمعات من الشباب المهووسين بمدخرات تقاعدهم تصنع اتجاهاً، فمعظم أصحاب الملايين لا يدخرون للتقاعد.
وفي الولايات المتحدة وجدت دراسة أجراها المعهد القومي أن ثلثي أصحاب الملايين لا يدخرون شيئًا للتقاعد، وتُظهر بيانات الخزانة الأمريكية أن 35 % ممن هم دون سن الخامسة والثلاثين لا يملكون حسابات تقاعدية.
وأجرت (هيلين موريسي) المختصة المالية في مركز لندن الملكي استقصاءً شمل 1500 من أصحاب الملايين البريطانيين السنة الماضية، ووجدت أنهم كانوا يوفرون بمعدل 4.6% من دخلهم للتقاعد، وهذا أقل بكثير من القواعد الحالية التي تقول إن النسبة يجب أن تكون ما بين 12-15 % من مجمل الدخل.
وحتى نسبة ما بين 12-15% يعتبرها أتباع حركة فاير قليلة، فادخار ما يكفي للتقاعد يستغرق عقوداً، ممَّا يعني أن كلا منهم يجب أن يدخر نصف دخله أو أكثر، وعليهم أن يقللوا من النفقات ما أمكن.
المعيشة الأقل كلفة
المحلل المالي (كريج كورلوب) وعمره 25 سنة يتمثّل قاعدة “امتلك كل شيء، ولا تستخدم أي شيء” بحذافيرها فهو يملك سيارة لكنه لا يقودها أبداً، بل يؤجرها لموقع يدعى (تورو) وبدلاً من ذلك يركب دراجة هوائية، ويقول: “لقد فعلت هذا وكسبت مئتي دولار كل شهر”.
واعتاد (كرلوب) الذي يعيش في دنفر في ولاية كولورادو على استئجار غرفة نوم في آرببنب والنوم في غرفة المعيشة، يقول: “لقد قررت أن أصنع ما يشبه غرفة النوم في غرف المعيشة من خلال وضع ستارة وحاجز، وعشت هكذا لمدة سنة”.
لقد كان يوفر الكثير، فبالإضافة إلى الشقة المزدوجة التي اشتراها في مدينة دنفر في شهر نيسان عام 2017 كان قادرًا على شراء بيت آخر هذه السنة، وبالتي يعيش في شقة واحدة ويؤجر البقية، ويضيف الإيجارات إلى مدخراته، ويقول: “إنني الآن أوفر ما بين 3000 إلى 4000 دولار كل شهر، مما يعني أن مدخراتي تتراوح ما بين 60 و70 ألف دولار كل سنة ونصف”.
نجد أن مبادئ حركة فاير اقتصادية بحتة وتستهدف المستوى الفردي فقط، ويمكن تطبيق مبادئها عبر تغيير أنماط العيش بحيث تخلو تمامًا من التبذير وتقوم على مبدأ خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود، وفي الحقيقة اليوم الأسود هو اليوم الذي لا يعود فيه المرء قادراً على العمل مع تراجع الشباب واقتراب الكهولة والشيخوخة، كما أن هذه الحركة تزيد الوعي من اللصوص غير الظاهرين الذين يروجون للاستهلاك والكماليات التي لا تعود بنفع حقيقي، فإنفاق المال دون ترشيد كافٍ جعل الطبقات المتوسطة والفقيرة تدفع ثمن الأزمات الاقتصادية في المجتمعات الغربية.
ولنا في كل هذا عبرة.
رابط الموقع الأصلي: