تبدو الحرية مقيدة بشكل كبير في أكثر المجالات التي من المفترض أن تعبِّر عنها ضمن مساحات واسعة متاحة للجميع، فالإعلام اليوم يلعب دور السجان المتمرس، بل والجلاد في وجه الكلمة الحرة والحرية، وحتى دور المستبد الطاغية في وجه مفاهيم الحريات والحق والعدالة والتاريخ.
فمنذ أصبحت الدعاية أحد أبرز ما يعبِّر عنه الإعلام بغض النظر عن المنتجات التي يتناولها، صار الإعلام قاضي الشيطان في مرات كثيرة، وصار الانحياز للمصلحة والمنفعة سمة واضحة دون أي معيار للحق أو للقضايا العادلة.
فحتى القضايا العادلة لا ينحاز لها الإعلام سوى عندما تكون في صلب مصلحة من يموله، وعندما تنتهي المصالح تصبح هذه القضايا هامشية جدًا في المنصات الإعلامية، وربما تختفي تمامًا.
لذلك يبدو الكلام عن حرية الرأي، وحرية الإعلام، وحرية التعبير ترفًا ممجوجًا جدًا، وأسلوبًا ممتهَنًا يتعاطاه بعض الساسة ووسائل الإعلام من أجل الإشارة إلى تبنيهم قيم الحرية، وقد أبرزت الكثير من المواقف زيف هذه العبارات، ولا يحتاج القارئ هنا إلى طرح أمثلة لا تبدأ مع ماكرون وكذبة الحرية التي يرددها، ولا تنتهي عند مفاهيم الحرية والعدالة التي تلوكها الأمم المتحدة كل يوم بينما هي نفسها التي ترعى بقاء بعض الصراعات مشتعلة من أجل استمرار تمويل برامج المساعدات الخاصة بها.
الإعلام اليوم أداة واضحة تعبِّر عن إرادة صانعيها، وهي أداة منحازة جدًا، ولا تعرف من الحرية غير اسمها، وربما لا تدرك تمامًا هذا الاسم، ومساحة الحرية في الإعلام هي مساحة الصراع المحتدم بين وسائل الإعلام في التعبير عن وجهات النظر المختلفة للممولين، وتستطيع أن تجد مساحة لرأيك مع أي وسيلة إعلام تتوافق معها في التوجه المرسوم أساسًا، وليس الذي تمّ تفصيله احترامًا لوجهة نظرك الثمينة.
هذه الحقيقة يجب أن تكون من البدهيّات بالنسبة إلى شباب اليوم، خاصة أولئك الذين يناضلون في سبيل الحرية، عليهم أن يعرفوا أنهم يستطيعون أن يعبروا عن حريتهم على اتساع المنصات التي سيصنعونها من أجل ذلك، من أجل أن تساعدهم على التعبير عمّا يؤمنون هم به، في مواجهة منصات أخرى ستعبِّر عن رأي آخرين، وستحسم المعركة الإعلامية لمصلحة الأقوى والأكثر تأثيرًا، الذي يستطيع تقديم منتجات إعلامية تناسب الناس وتقنعهم.
هذا هو ميدان المعركة الحقيقي، الحرية تؤخذ ولا تعطى.
المدير العام | أحمد وديع العبسي