عكيد جولي – صحيفة حبر
يشكِّل إنتاج وتعاطي الدخان ظاهرة عالمية لا تسلم من تأثيراتها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة أي دولة من دول العالم، كما تبلغ تكاليف معالجة أضرارها، والتعريف بها ومعالجة المرضى مبالغ باهظة جداً تشكل عبئاً على الاقتصاد المحلي للدول.
” التدخين سبب رئيسي للسرطان و أمراض الرئة وأمراض القلب و الشرايين ” هذه الجملة كثيرا ما نجدها على علب الدخان للتحذير من مخاطره و إبعاد الناس عنه، أمّا حالياً فنجد في محافظة الحسكة العكس، فبدل أن نجد إعلانات تحذر من التدخين أصبحنا نجد إعلانات و دعايات تشجع و تروج لها و تغري به ، فإذا تمشيت قليلا في شوارع القامشلي، ستجد الكثير من اللافتات التي تشجع على التدخين، كل لوحة لنوع من الأنواع التي لم تكن معروفة سابقاً. دعايات وإعلانات مثل ” اجمع علبتين فارغتين واحصل على واحدة مجاناً ” مثل هذه الدعايات التي تشجع على التدخين واستهلاك السجائر كثرت في الفترة الأخيرة في محافظة الحسكة، بالإضافة إلى توزيعها في الشوارع بطرق علنية، وجاء هذا نتيجةً لضعف الرقابة على هؤلاء التجار و كذلك على عملية بيع الدخان و عملية إدخاله و تهريبه للمحافظة، والتي كانت سابقاً تخضع لعملية رقابة إن لم تكن شديدة لكنها لم تكن كما عليه الآن، فالتاجر الآن لا يلزمه إلا أن يقوم بدفع ما يترتب عليه من ضريبة للحواجز ليقوم بإدخال الكمية التي يشاء من الدخان إلى المحافظة، سواء عن طريق معبر “سيمالكا” مع إقليم كردستان العراق، أو بواسطة طرق التهريب في المناطق الحدودية، أمّا عملية صرفها داخلياً وبيعها إلى تجار المفرق عملية أصبحت سهلة للغاية، فصاحب المحل لم يعد يخاف من رقابة جهاز أمني يحاسبه على بيع الدخان المهرب بل و الدعاية له ، لذلك يخزنها في مستودعه دون خوف وبالكمية التي يريدها.
يقول لنا أبو مجيد المسكني و هو صاحب محل لبيع الدخان: (لم أعد أخاف من شيء لفتح محلي، أضع فيه ما أريد من أنواع السجائر، و أتحرك كما أريد أنا و غيري من أصحاب المحلات، و تأتيني السجائر من القامشلي مارةً على الحواجز) ويضيف لنا المسكني: (إنَّ التاجر الأساسي يقدم لنا عروضاً تشجيعية مثل: إذا بعنا عشرين طردا من الدخان فسيعطينا تلفزيون بلازما مسطح، لذلك نحن أيضا نقوم ببيعها برأس المال؛ لنحصل على العرض) و كاوا صاحب محل لتوزيع الدخان في القامشلي قد تعجبَ كثيراً عندما سألناه: هل كنت تستطيع قبل عدة سنوات أن تعلق لافتة ” آرمة ” كبيرة كالتي علّقتها على محلك الآن؟! لم يفكر (كاوا) قط قبل أن يقول لنا متعجباً ماذا تقول ؟! كان هذا مستحيلاً، أمَّا الآن فمحله المطل على شارعين معلق فيه آرمة كبيرة للسجائر، ويقوم كاوا بتبديل كل علبتين فارغتين بعلبة دخان جديدة.
هذه الفوضى أدت إلى دخول أنواع كثيرة من السجائر غير معروفة المنشأ، وغير معروفة الشركة المصنعة، وغير موثوق بها و بمحتواها و بمدة صلاحيتها، فقط لأنَّها رخيصة الثمن يقوم المدخن بشرائها، هذه الأنواع لا تخضع للفحص من قبل لجنة مخبرية أو صحية، بل تخضع فقط للجنة تقدر حجم وقيمة الضريبة التي تأخذها الحواجز التابعة للأسايش (الشرطة) أو الجمارك ، ثمَّ يخلى سبيلها لتنشر سمومها في المحافظة دون رقابة أو خوف. أبو حليمة يصرف يومياً أكثر من علبة دخان، و قد يصل إلى علبتين يقول: (لا يمكنني شراء أنواع تعودت عليها سابقاً؛ لأنّها أصبحت غالية الثمن، لهذا أقوم بشراء مثل هذه الانواع غير المعروفة؛ بسبب رخص ثمنها، و أعلم أنّ مصدرها غير معروف، و قد تسبب لي مشاكل صحية أكثر من الأنواع الأخرى، فالنوع الذي كنت أدخنه وصل سعره إلى 400 أربعمئة ليرة) ورودي أيضاً يدخن هذه الأنواع؛ لأنَّها رخيصة و لا يستطيع تحمل مصاريف شراء أنواع كان يستعملها سابقاً؛ لأنّه يومياً يصرف علبة دخان، يقول لنا أبو مجيد المسكني صاحب محل لبيع الدخان : (الأنواع التي نبيعها لا نعرف مصدرها، ولا مصدر الشركات المصنعة لها، لا نعرف عنها شيئاً سوى أنَّها دخان، و لا تخضع لأي رقابة، و المدخن مجبر عليها بسبب رخصها) و كاوا كذلك يوزع الدخان في القامشلي و لا يعلم مصدر و منشأ ما يوزعه من دخان، فقط هي تجارة، و هذه الأنواع تباع لأنّها رخيصة الثمن .
ويخشى البعض أن يتم تكرار ما حدث في القامشلي قبل ما يقارب الشهر بسبب تناول عرق مغشوش تسبب بموت أكثر من “20” شخصاً في يوم واحد بعد إسعافهم إلى المشفى.
في ظل الفوضى و انعدام الرقابة هذه تكثر المخاوف على المراهقين؛ بسبب انتشار التدخين و الترويج له، و ممَّا يزيد الخطورة الترويج للدخان في الشوارع العامة، فقد شوهدت في الفترة الأخيرة مجموعات جوّالة مؤلفة من ثلاث فتيات برفقة شاب يقوموا بتبديل علب الدخان الفارغة بأخرى جديدة، فطلاب المدارس و المراهقين أصبح من السهل عليهم الحصول على علبة دخان، فبمجرد أن يأمنوا علبتين فارغتين يستطيعون تبديلها بعلبة جديدة، الأستاذ “بركات” معلم رياضيات يقول لأخبار الآن: (تزداد الخطورة على طلاب الثانويات بسبب اتشار الدخان و خصوصاً أنّهم في سن المراهقة، و يسهل استغلالهم ووقوعهم في الخطأ ، و في الأوضاع الحالية تكون الخطورة أكثر، ومن المؤسف و المقلق أن نرى الترويج للتدخين أصبح بصورة علنية)
ورغم أنّ كافة المعابر مع العراق وتركيا مغلقة، تشهد المنطقة نقصاً في المواد الغذائية ومواد البناء بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها إن توفرت، إلا أنّ الدخان يدخل المنطقة وهو متوفر متى أراد الشخص، لا يعلم أحد ما هو السر، ولكن من المعروف أنّ الضرائب والرشاوي التي يدفعها مهربو الدخان ومروجوه كانت تغري السلطات السابقة كما تغري السلطات الحالية.
أمّا كاوا موزع الدخان فيقول: (إنَّهم قاموا بتخزين الكثير من السجائر في مستودعاتهم، لذلك هو متوفر ولم ينقطع كما انقطعت المواد الغذائية.)
يرى البعض أنّه طالما تغيب السلطة الرادعة التي تمنع التّجار الاتجار بحياة الناس سيستمر الحال من سيء إلى أسوأ، فالسجائر ليست آخر صنف يسعى البعض إلى الكسب عن طريقه، فانعدام الرقابة سيؤدي حتماً إلى الاتجار بأشياء كثيرة منها المخدرات والأغذية المنتهية الصلاحية أو الفاقدة للمعايير الصحية.
لن تزول هذه المخاوف إلا بوضع حدٍّ لهذه التجارة الخطيرة، و منع الدعاية لها، و إخضاعها لرقابة شديدة.
ويذكر أنّه في عام 1996 تمَّ حظر الدعاية لمنتجات التبغ في سوريا، وفي عام 2006 منع التدخين في جميع وسائل النقل العامة، وفي عام 2010 تمَّ منع التدخين وتقديمه في الأماكن العامة جميعها.