غسان الجمعة |
تطورات سياسية تنشط شرق الفرات بين المكونات الكردية بدعم غربي يهندسه المبعوث الأمريكي لسورية (جيمس جيفري)؛ لتحقيق ما أسماه مصالحة كردية – كردية بين الأحزاب المتناحرة، مُمثلةً بالإدارة الذاتية (قسد) والمجلس الوطني الكردي أحد أعضاء الائتلاف السوري المعارض، حيث تدعم الولايات المتحدة والدول الغربية (قسد) بينما يتمتع المجلس بعلاقات طيبة مع الإدارة التركية من خلال الائتلاف وسلطات كردستان العراق ممثلة ببيشمركة أربيل.
بداية هذا العام ضغطت كل من الولايات المتحدة وفرنسا على الدفع بالمجلس الوطني لإعادة فتح مكاتبه في شرق سورية مقابل ضمانات أمريكية بالضغط على الإدارة الذاتية للانخراط بمفاوضات جدية تثمر عن تشاركية سياسية واقتصادية وعسكرية بين الكتلتين الكرديتين الأبرز، وهو ما حدث فعلاً ليعقبه عدة جولات تفاوضية بدأتها الولايات المتحدة باقتراح إعادة تشكيل مجالس المدن والبلدات بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني في شرق سورية كخطوة أولى لبناء الثقة بين الأقطاب المتناحرة.
هذا الحراك السياسي الذي تدعمه بعض الدول، ولا تعترض عليه أخرى، تغذيه مصالح الدول الفاعلة وتطلعات كل دولة لهذا الحوار من زاوية أهدافها ورؤيتها لوضع نهاية للمشهد شمال شرق سورية على أقل تقدير.
البداية من تركيا الدولة الأهم في ميزان الحوار من خلفية أخذ مخاوفها بالحسبان وعدم تجاوز خطوطها الحمراء، حيث لم تبدِ أنقرة للآن موقفًا صريحًا من هذا الحراك، إلا أنها من المؤكد تراقب ذلك عن كثب وبحذر؛ لأن لها مصلحة في احتواء تنظيم (قسد) الذي تصنفه إرهابيًا على حدودها الجنوبية، ولها غاية من خلال هذا الحوار الذي تتم رعايته دوليًا، هي تكبيل التنظيم بالعمل ضمن المنظومة الوليدة بشرعية التعامل الإقليمي والدولي، وإلا فإن معارضتها له لن تثني الولايات المتحدة والدول الغربية عن استمرار دعم التنظيم منفردًا دون تحقيق أي تحول أو تقدم في شرق الفرات إلا من خلال العمليات العسكرية التي باتت بالنسبة إلى أنقرة عمليات جراحية خطرة في ظل وجود معقد للقوات الغربية والروسية وميليشيات طهران والأسد، لذلك بات التقارب بالحلول مع هزِّ العصا هو الملاذ شبه الوحيد لأنقرة في حل مسألة شرق الفرات، وهذا الحوار هو بوابة الفرص لفرض الرؤية التركية من خلال المجلس الوطني.
أما الولايات المتحدة وفرنسا فهي تريد تحقيق توافق كردي – كردي لهدفين، الأول مواجهة طهران في العراق وسورية بجبهة واحدة تمتد من أربيل إلى منبج في حال اندلاع مواجهات مباشرة، والآخر تقوية كيان كردي خالٍ من قيادات قنديل (مطلب المجلس الوطني) كونها قيادات ترتبط بعلاقات مع النظام وإيران؛ وذلك للضغط على أنقرة بقبول نموذج البيشمركة السورية كما هو بالعراق في شرق الفرات، وتهدأ بذلك المخاوف التركية مع إمكانية إعادة العبث بها في أي لحظة لتهذيب أنقرة.
أما روسيا التي تذرف دموع التماسيح على تصالح الفرقاء على طاولتها التي عادة ما تحجز للنظام السوري فيها مقعدًا، فهي غير جدية في رغبتها لتحقيق أي تقدم؛ وذلك لمخاوفها مع نظام الأسد من إمكانية توسعة حلقة التصالح والاندماج الكردي إلى حلقة تجمع باقي أطياف المعارضة، وهذا يعني خلق كيان سياسي واقتصادي وعسكري قوي ومدعوم دوليًا، وهو ما لا تتمناه روسيا أن يحدث.
كما أن عقد هذا التصالح يسحب من يدها ذراع الضغط على أنقرة في أي تحرك بالملف السوري من خلال إفراغ مخاوفها باتفاق تبيِّض فيه الولايات المتحدة على حساب الروس صفحتها مع أنقرة.
ما تحيكه الولايات المتحدة بصمت قد لا نجد صداه في ساحات المعارك أو على خريطة النفوذ، بل قد نرى أثره في عقد اجتماعي جديد أو اتفاق تفاوضي يقلب موازين كثيرة على الساحة السورية، ورغم ذلك يبقى أمام هذا الحوار مشاكل وعقبات قد تكون أكبر من كون المسألة كردية – كردية فقط.