بقلم: نائب رئيس الائتلاف عقاب يحيى
واحدة من أهم إشكالات الثورة السورية أنها لم تنتج قيادة من صلبها، والمعارضة التي التحقت بالثورة ـ بأشكال مختلفة ـ لم تكن قادرة على ملء الفراغ بذلك الزخم الكبير الذي حصل، وبالكثافة الشبانية للذين قاموا بالثورة وعملوا على استمرارها عبر أشكال مختلفة من الصيغ التي ابتدعوها كالتنسيقيات والمجالس وغيرهما .
ـ عندما شُكّل المجلس الوطني كانت تقديرات الأغلبية فيه أن النظام لن يصمد طويلاً، وأنه لا بدّ من تدخّل خارجي على غرار ما حدث في ليبيا، وحتى تونس ومصر واليمن، لذلك اتجهت الأنظار تلك الوجهة كرهان رئيس كان من تداعياته إهمال القاعدة الثورية والشعبية وحدوث تباعد زادته الظاهرة العسكرية وطغيانها مسافة وتعميقاً، وهو الوضع الذي واجهه الائتلاف ولم يقدر على علاجه، أو جسر الهوّة بينه وبين من يمثله .
ـ من جهة أخرى فإن تعقيدات ” الحالة السورية”، واستمرار النزيف سنوات محمّلة بكل أنواع القتل والدمار، ثم التراجعات المتلاحقة في مساحة المناطق التي كان الجيش الحر يسيطر عليها خلق نوعاً من حالات التكوّر نحو الداخل، إذ غالباً ما تتجه الناس عند الانحسار وشيوع اليأس إلى تحميل هذه الجهة الداخلية، أو تلك المسؤولية، وانتشار أجواء التشكيك والاتهامات، ويؤدي هذا الوضع إلى مزيد من التشتت وتعدد الآراء حول المخارج .
ـ هناك حقيقة مهمة تخصّ الثورة السورية في انفجار خزين السوري وما عاناه الشعب عبر العقود من قمع، وكبت للحريات، ومحاولات إخضاع وقولبة لذلك كانت الثورة تحطيماً فوضوياً للمألوف المفروض، وانهمار السوري على العمل السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي يعبّر، بأشكال مختلفة، عمّا يجيش داخله، وعن بعض المكبوت الممزوج بالحلم وتحقيقه في إسقاط النظام وبناء البديل الذي يتمنى، وظهر ذلك في نشوء وانتشار مئات التشكيلات السياسية والفعاليات المتعددة والتي عرف كثيرها الانشطار والتفريخ أو التلاشي، والتجديد، وأطروحات لم تتوقف عن البدائل .
إن فقدان وجود قيادة ـ مركزية ـ منتخبة، بواقع التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجهها الثورة والبلاد، بما فيها عملية تدويل ” الحالة السورية” وانتقال الملف السوري إلى الدول الخارجية، وتهميش دور السوريين: معارضة ونظاماً، وموضعة عدد من “مناطق النفوذ” بما أوجد مجموعة سلطات مختلفة تمارس الحكم بأشكال متعددة، وانسداد أفق الخل السياسي بسبب رفض النظام الانصياع للقرارات الدولية بدعم من روسيا وحلفائه الآخرين، والعمل على إعادة تأهيله في عام قادم سيكون عام استحقاقات انعطافي ..
ـ هذه العوامل مجتمعة تدعو جميع أطياف وفعاليات الثورة للتفكير الجاد بالمخرج، ارتكازاً على قوى الشعب بالأساس، وعلى صياغة برنامج عمل مشتقّ من هذه التحديّات وموجباتها، لذلك، وبالنظر للمسؤولية الكبيرة التي يتحملها الائتلاف كونه المعترف به كممثل شرعي للشعب السوري، اقتضت وتقتضي القيام بمراجعة مهمة للمسار السابق، ووضع إستراتيجية العمل المنبثقة من التجربة، ومن جوهر الثورة وروحها وعمادها، وباتجاه القيام بحوار وطني شامل مع مختلف مكوّنات وأطياف الشعب السوري بغية البحث عن بديل يلقى قبول الأغلبية، وعبر مزيد التفاعل والاستماع لآراء ومقترحات الآخرين، وصولاً إلى أشكال تكون النتاج .
ـ بناء على ذلك تمّ إنجاز “وثيقة تجديد الخطاب الوطني” المستندة إلى فكرة جوهرية مستمدة من التعريف الشائع للائتلاف بأنه الممثل الشرعي للشعب السوري، والتي تعني أنه معني بكافة السوريين على اختلاف أماكن تواجدهم ومواقفهم، إن كانوا في المناطق المحررة، أو بلدان اللجوء والهجرة، أو تحت سلطة النظام أوسلطات الأمر الواقع، وبما يتجاوز حكماً قوى الثورة والمعارضة إلى هؤلاء جميعاً، بمن فيهم ما يعرف بـ”الكتلة الرمادية” أو ” الصامتة” أو حتى المحسوبين على النظام باستثناء الذين مارسوا قتل الشعب السوري .
ـ واستناداً إلى تجديد الخطاب الوطني كان الحوار الوطني الترجمة المباشرة، تحقياً للشعار المرفوع “الاصطفاف الوطني” لمواجهة المخاطر والتحدّيات، والتشاركية، وقد شكّلت لجنة خاصة بالحوار الوطني وضعت برنامجاً مختصراً يقضي بـ :
1 ـ عقد لقاء تشاوري مع مختلف التشكيلات والفعاليات والشخصيات الوطنية السورية بهدف الحوار والتفاعل، ومناقشة كافة الاقتراحات المقدمة من قبل المشاركين، وتطوير ذلك في تخصيص صفحة خاصة للحوار وطرح الآراء وترتيبها وتلخيصها وتقديمها كحصيلة عامة للمناقشة والتعامل معها في اللقاءات التالية التي يجب أن تكون دورية، وقد عقد اللقاء الأول، وسيعقد اللقاء الثاني خلال أيام قليلة .
2 ـ التواصل مع الفعاليات في الداخل السوري إن كان ذلك في المناطق المحررة، أو في مناطق سيطرة النظام، وسيطرة سلطة الأمر الواقع” قسد” وغيرها وبناء جسور علاقات قائمة على الحوار والتفاعل .
3 ـ عقد لقاءات تشاورية مع مختلف “المكوّنات” السورية، وتجسّد ذلك في لقاءات هامة مع شخصيات كردية، ومع المسيحيين، والدروز، والإعداد للقاء مع الفعاليات العلوية وذلك بعيداً عن روحية المحاصصة، أو التخصيص المذهبي، بل وفق عناوين الوطنية السورية التي يتمسك بها الجميع والتي عبّروا عنها بوضوح أثناء لقاءاتهم، بهدف دراسة الواقع الراهن والاتفاق على سبل معالجته، ومعرفة الأوضاع التفصيلية وما أحدثه النظام من شروخ تحتاج النقاش الصريح لتعزيز روح المصالحة والسلم الأهلي، والوحدة الوطنية .
4 ـ لقاءات مع فعاليات وأبناء المحافظات السورية كافة ومناقشتها في أوضاعها، وفي الآراء والاقترحات التي يقدمونها .
5 ـ عقد لقاء تشاوري وطني يكون نتاجاً لتلك اللقاءات يتدارس أوضاع البلاد والثورة، والمخرجات التي تمّ التوافق عليها، ويمكن أن يكون بمثابة لقاء وطني للسلم الأهلي، ولإنشاء هيئة، أو هيئات تمثيلية تتولى تطبيق المهام التي يتفق عليها .
إن المنهج النقدي عامل قوة للمراجعة وتصحيح المسار وتلافي السلبيات، والاستماع لانتقادات فعاليات الشعب السوري ـ مهما كانت ـ بحق الائتلاف أو غيره هي ولا شكّ مطلوبة طالما أنها صادرة من روحية الإصلاح والتطوير، وستكون عوامل قوة وتمكين للثورة للنهوض بالمسؤوليات والأعباء الكبيرة المناطة بكل الوطنيين السورين بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية وتوزعاتهم .