كثيراً ما يتطرق للأسماع مقولة “الموت في سبيل الله” وهي لا شكَّ شأن عظيم أن يمضي المرء شهيداً في سبيل الله، إنَّما لو تساءلنا قليلاً، هل القتال – والشهادة إحدى الحسنيين كنتيجة -لذاته أم لغاية أخرى؟
للإجابة على هذا التساؤل لابدَّ لنا من الولوج في الغاية من خلق الإنسان على هذه الأرض، هل وجد ليحيا على الوجه الذي دلَّه عليه خالقه، أم للقتال؟
إنَّ المقصد من وجود الإنسان هو إعمار الأرض على الوجه الذي ارتضاه له الله الحكيم العليم، لا الموت.
وإنَّما يلجأ المسلمون للقتال عندما يجدون من يصد عن سبيل الله ويمنع الناس من معرفة الحق، ليكونوا مستبدين ويقهرون الشعوب، وعندها تكون الشهادة إحدى الحسنيين ” النصر أو الشهادة “.
ومن هنا يجب أن يعرف المسلمون كيف يحيون في سبيل الله، كيف يعمِّرون الأرض بالعلم والعمل النافع المثمر، وأن يعرفوا كيف يطبقون دينهم ممزوجا بالحياة العملية ليقدموا القدوة الحسنة لغيرهم من الأمم، وبذلك يوفرون كثيراً من الدماء عندما يقعون بأخطاء تنفر من الإسلام ومن ثم تكون الحروب.
إنَّ ” الفهم ” للإسلام هو ما نفتقده، لا النصوص من قرآن وسنة، وهذا ما يفتقده كثير من المسلمين.
فالقارئ لسيرة المعلم الأول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يجدها ذاخرة بهذه الأمثلة، فلم يكن رسول الرحمة ليزج المسلمين في معارك خاسرة، وفي طريقه إلى مكة وقف في الحديبية ليعقد صلحا مع قريش منعاً لسفك الدماء، وهذا الفاروق الذي كان في خلافته حريص على المسلمين وبدأت في زمانه تتوضح معالم الدولة من (بريد، قضاء …) نراه يمنع قائد معركة الجسر في العراق من عبور النهر لاحتمال وقوعهم في ورطة، وهذا ما حدث فحزن حزنا عميقا على من استشهد من المسلمين.
وعندما شاع بين الناس فكرة “الموت في سبيل الله” انعكس ذلك الفهم على حياة الشباب بشكل ملحوظ في الجوانب التالية:
1-ضعف التواصل الاجتماعي للثوار، ممَّا أدى لنفور بعض الناس من أولئك الثوار.
2-التهور في المعارك بدعوى طلب الشهادة.
3-هجر الشباب للتعليم.
ومن هنا فلا بدَّ من تغيير الخطاب الذي يؤثر على العواطف متأثراً بردود الأفعال، وتقديم خطاب متكامل يجمع بين ضرورة الحياة في ظلِّ الشرع للنهوض في المجتمع، وبين صدق النية والإقدام عندما تفرض علينا المعركة وتلقي بظلالها في ربوعنا، فالمسلم الذي يحيا في سبيل الله سيموت في سبيل الله.