لمى سعود |
تتعدد أسباب المعاناة وأشكالها عند السوريين، الذين مايزالون يعانون (الفقر، والتشريد، والقصف، والنزوح، والبطالة..) والأهم من ذلك أولئك الذين كانوا يعانون إعاقات ومشاكل قبل اندلاع الحرب، وزادت أعباؤهم بعدها، أولئك الأبطال الذين واجهوا المجتمع والضغوطات النفسية قبل كل شيء.
“كان عمري ثلاث سنوات عندما بدأت بالتدرب على العكاز لأستطيع المشي، تعلمت ذلك بالتدريج حتى أصبح عندي خبرة باللاوعي بأن أمشي عليها بدون حساب خطواتي، وتعلمت الصعود والنزول على الدرج، كنت حالة نادرة في ذلك الوقت لم يكن هناك حرب وحالات بتر”.
بهكذا بدأت (شيماء هلال) قصتها وهي الفتاة ذات 29 عامًا من مدينة سراقب، المتطوعة ضمن فريق (ملهم التطوعي) الذي بدأت العمل معهم منذ عام 2017 بقسم (كفالة الأيتام)، وربما يقول قائل: وما الجديد بالأمر؟! وأين يكمن الإنجاز؟!
(شيماء) لديها إعاقة منذ الولادة ستحدثنا عنها، حاربتها بعزمها على الحياة وترك بصمة فيها، وتصدت لمجتمعها، ولظروف الحرب، والنزوح، والقهر، وكان وجهها في كل ذلك مشرقًا كالشمس، وابتسامتها لا تغادر شفتاها لامتلاكها الإرادة.
أما تغلبها على إعاقتها ونظرة المجتمع إليها، فتروي لنا (شيماء) كيف انتقلت من حالة الضعف إلى القوة، بقولها: “أنا البِكر لعائلتي، وُلدت بمشكلة جسدية وهي غياب عظم الفخذ في الرِّجل اليمنى، كان من الصعب جدًا على أهلي تقبل الفكرة بدايةً، فواجهت صعوبات مجتمعية ونظرات قاسية، وكانت نظرات المجتمع المحيط بي تزعجني بالبداية، ولكن سرعان ما تخطيت ذلك، وأصبحت نظراتهم تحفزني بدل أن تأثر على نفسيتي.” وتُردف قائلة: ” في أول أيام المدرسة تعلقت عيون 500 طالب مع الأساتذة والآنسات نحوي وأنا أدخل إلى الساحة، ولأنني تجاوز نظرات المجتمع المحيط بي، واجهت تلك النظرة وقتها بقوة وثقة بالنفس، فكل إنسان مُعرَّض لمواجهة الصعوبات والمواقف الصعبة في حياته، ولكن هذه الصعوبات إما أن تُدمرنا نفسيًا أو تحفزنا لنكون أفضل”.
حلمت (شيماء) بدراسة اللغة الإنجليزية بعد حصولها على الشهادة الثانوية، إلا أن اندلاع الحرب السورية حال دون ذلك، ومدينتها سراقب في ريف إدلب الجنوبي لم تتأخر عن المشاركة في الثورة.
لم تقتصر محاربة (شيماء) لمرضها فحسب، فسرعان ما ذاقت صعوبة النزوح والهجرة ضمن الحملة العسكرية للنظام منذ أشهر على ريفي إدلب وحلب، فنزحت إلى مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، إلا أنها لم تتوقف عن نشاطها التطوعي ضمن فريق (ملهم التطوعي) وقدمت جهدًا، أوضحته بقولها: “عملنا على مساعدة 70 عائلة ضمن مدينة أعزاز في رمضان، ونسجل المعلومات التي تلزمنا ثم نقدم المساعدة المادية لهم، كما أننا نزور بيوت الأيتام ونكفلهم، قمنا أيضًا بعمل إفطار جماعي لأهل المخيم، بالإضافة إلى أنني أقوم بإعداد وأرشفة تقارير القسم الذي أعمل ضمنه.
أكبر طموح (لشيماء) أن تترك بصمة جميلة بالمجتمع يُذكرها الناس بها، وتقديم المساعدة للناس المحتاجة ونظرة الرضا ودعاء الناس لها بالخير بالنسبة إليها أجمل ما في الحياة، على حد تعبيرها، وأضافت: “أحمد ربي أنني أعمل بمجال مساعدة الناس، وأتمنى أن أستمر بمساعدة الآخرين وزرع الابتسامة على وجه كل من هم حولي لآخر لحظة بحياتي”.
“الإعاقة الحقيقية هي إعاقة العقل”، حسبما قالت (شيماء) وهي تشير إلى ما يدفعها للاستمرار بالعمل وتحفز كل من لديه إعاقة على وضع هدف ينشده، “فما دام العقل موجودًا نستطيع أن نفعل كل شيء نريده، الحياة ليست يدًا أو قدمًا، نحن بإمكاننا صنع المعجزات بما أننا نملك عقلًا وإيمانًا ورضا بما منحنا إياه الله، يجب إلغاء كلمة مستحيل من قاموس الحياة”.
(شيماء) قصة من عشرات القصص المشابهة في سورية، لا سيما أن حالات الإصابة والبتر ازدادت بعد اندلاع الحرب جراء القصف، حيث لا يمكن أن يوجد بيت سوري في الشمال المحرر لم يصب أحد أفراده، أشخاص رفضوا الاستسلام لمعاناتهم وآلامهم وتحدوا واقعهم، مجتمعهم واستطاعوا أن يكونوا فعالين ضمن بيئاتهم واستمروا بكل أمل وإصرار ورضا.