تضيق كل يوم الخيارات أمام الشعب السوري، وتغدو الحرب التي يخوضها أكثر انفتاحاً على الساحة الدولية، ليغدو مجرد بيدق بجميع أطرافه مؤيدين ومعارضين.
يحاول النظام أن يثبت لحلفائه أنه قادر على البقاء عندما يغير المنظومة المجتمعية بالكامل ليجعلها أكثر تقبلاً له في المناطق الحيوية التي تحمي شكل الدولة، بينما يشغل المعارضة بحروبها الجانبية وصراعاتها على السلطة غير الموجودة فعلياً ومحاولتها نفي تهمة الإرهاب عنها، أو محاربة التنظيمات التي توصف بأنها إرهابية التي لا توجد إلا في المناطق الضيقة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في انتظار موافقة دولية للقضاء عليها نهائياً.
روسيا والولايات المتحدة الأمريكية اليوم أمام تحدي إجراء التغيير في سورية، ففي حين تطلب واشنطن من روسيا التخلي عن الأسد مقابل انتقال ديمقراطي، تجيب روسيا إن المنظومة التي يقودها الأسد من الممكن أن تنهار بالكامل في حال التخلي عنه، وسيكون انتشار المليشيات الشعبية كعصابات بالإضافة إلى الجيش السوري والقوى الرديفة كارثياُ، وربما يولد قوى متطرفة بشكل أكبر تخلق نوعا من الفوضى التي يصعب السيطرة عليها، التي قد تمتد إلى دول الجوار وبالتالي تتسبب بأزمة إقليمية.
المعارضة بدورها لا تقدم خيارات بديلة قادرة على إدارة الموقف، وربما هي أكثر من سيشعر بالحرج والضعف في حال سقوط المنظومة التي تدير النظام في سورية، حيث إن شكل العلاقات الشبكية التي يديرها النظام في الدولة غير واضح على الإطلاق، وهو مبني بطريقة تجعل سقوطه أمرا مدمراً، وهو يهدد المحيط الإقليمي بهذه القنبلة الموقوتة، ويجعل الجميع يتجه للحل السياسية الذي يضمن تفكفك هذه المنظومة على المدى البعيد الذي يسمح لها بالحفاظ على الكثير من مصالحها في حال تم اتخاذ قرار دولي بالعمل على ذلك، بينما يحاول إعادة تهيئة نفسه سياسيا وتنظيمياً لكي يكون أكثر قدرة على البقاء.
في المحصلة ودون إطالة، ربما نحن بحاجة إلى توفير قناعات جديدة لطريقة تعاملنا مع إسقاط النظام كهدف في طريق الحصول على الحرية التي صرخنا من أجلها، وفهم التوازنات التي من شأنها حماية هذا النظام وضمان مصالحه، وكيفية صناعة بديل قادر على الانتقال بالدولة السورية دون إدخالها بدوامة جديدة غير واضحة المعالم كما حدث في ليبيا أو اليمن.
رغم طول فترة الثورة السورية لكنها تبدو أفضل حالاً بالنسبة إلى الحفاظ على توجهاتها الموحدة نسبياً حتى تستطيع صناعة بديل للنظام تسيطر فيه على جميع تقنيات السلطة الحقيقية، في مقابل تحول تجربتين سابقتين لحرب أهلية غير واضحة التوجهات أصلاً مع فوضى وانقسامات هائلة وكارثية، وتقويض تجربة ثالثة على حافة الانفجار.
المدير العام | أحمد وديع العبسي