طلال شوار
من الملفت للنظر أنه ومنذ بدء التدخل الروسي الرسمي في سوريا في أيلول 2015، بدأ الدور الأمريكي بالانحسار حتى كاد يندثر تماماً، حيث خفت صوت الدبلوماسية اﻷمريكية فجأةً، وباتت تركز على أمر تحالفها ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية شرق سورية.
في الوقت الذي وجدنا فيه روسيا تسيطر على المشهد السوري برمته وطيرانها يصول ويجول على كامل الجغرافية السورية دون موقفٍ حازمٍ من الجانب الأمريكي وحلفائه على الأقل فرنسا وبريطانيا عدا عن بعض التصريحات الصحفية الخجولة التي لم تكن على مستوى العربدة الروسية وهذا ما لم نعهده من قبل.
لا يمكن أن يكون ذلك عبثيًّا أو محض صدفة على اﻹطلاق، هذا أيضاً لم نعهده عن السياسة الأمريكية ومكرها، لذلك يمكن تفسيره على أنه فخّ أمريكي للدب الروسي المتعجرف، في محاولة منها لإغراقه في المستنقع السوري وتحميله فاتورة الدم والدمار المستمر منذ ما يقارب ست سنوات، وذلك من خلال تقديم روسيا للعالم على أنها الطرف الدولي الوحيد المتورط في الدم السوري، والذي يمارس عمليات القصف والقتل والتدمير الممنهج واليومي على كامل الجغرافية السورية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل روسيا المسؤول الرسمي وشبه الوحيد عمّا يحصل، والعدو اللدود لطموحات الشعوب وحقها في نيل حريتها وحقوقها؛ فضلاً عن كونها تؤمّن الغطاء السياسي والعسكري لنظامٍ دكتاتوري مجرم وميليشيات طائفية منبوذة عالمياً على المستويين الرسمي والشعبي من قبيل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
بالمقابل تظهر أمريكا نفسها على أنّها رفقة تحالفها الدولي هي الوحيدة التي تحارب الإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة، خاصة وأنّها نجحت بخبثها في إبعاد الروس عن محاربته باستثناء عملية تدمر والتي صورتها أمريكا لاحقاً على أنّها مسرحية بين النظام وروسيا من جهة والتنظيم من جهة أخرى، بما معناه عملية استلام وتسليم.
في السياق نفسه وإن كان بدوافع مختلفة لعبت إيران من جهتها دوراً لا بأس به في توريط روسيا أكثر فأكثر من خلال الضخ الإعلامي المتغني بالقوة الروسية أو من خلال عروضها المتكررة لوضع قواعدها العسكرية تحت تصرف القوات الروسية لاستهداف مواقع المعارضة السورية.
اللحظة الفارقة كانت انتهاء معركة شرقي حلب، وفرض الهدنة، وقتها استفاق الروس، وقد يكون ذلك بمساعدة حليفهم الجديد القديم تركيا، استفاقوا على هول الكارثة.
فمن محاولة الأمريكيين استغلال الوحشية الروسية في استهداف المدنيين، ودفعها بحلفائها لطرح مشروع قرار في مجلس الأمن يدين استهداف المدنيين، ويدعو لوقف العمليات العسكريّة، وفرض الهدنة، الأمر الذي رفعت ضده الفيتو طبعاً، مروراً بالعنجهية التي مارستها الميليشيات الإيرانية وجيش النظام من عدم اكتراث لمسموعية الدبلوماسية الروسية كدولة عظمى من خلال محاولتهم إفشال اتفاق الهدنة ومحاولتهم خرقها بتصرفات صبيانية اتبعوها بعد دخولهم شرقي حلب بمحاولتهم خطف الانتصار المزعوم من يد الروس وتبنيه وجني ثماره.
كل هذا جعل الروس يعيدون حساباتهم، ويحاولون الهروب إلى الأمام من الباب التركي ببحث فرض هدنة شاملة مرغمين بذلك النظام وإيران على القبول بها.
هذه الهدنة من شأنها على المدى القريب أن تؤمن مخرجاً آمنا للدب الروسي من الفخ الأمريكي، وأن تضع حداً للعربدة اﻹيرانية وميليشاتها المرتزقة التي لم تكن لتكون لولا الغطاء الروسي أصلاً، فضلاً عن كونها بالنسبة لروسيا على الأقل تخرجها على أنها حمامة السلام، وحاقنة الدم، ومنهية لمسلسل الدمار الذي لم يهدأ منذ ست سنوات، وتغسل ولو بعضاً من العار الذي لحق بها جراء تغولها في دماء الأبرياء.
أما على المدى البعيد فروسيا اطمأنت على مستقبلها في المنطقة عموماً إن كان بزيادة تواجدها في المياه الدافئة، وزرع قواعدها العسكرية في عدة مناطق استراتيجية من أرض سورية، وأصبح باستطاعتها الآن التخلي عن حليفها التاريخي بعد أن حصلت منه على عدة تنازلات عسكرية واقتصادية من شأنها أن تكون سيدة الموقف في سورية والمنطقة لعقود قادمة بغض النظر عمن يحكم سورية، ناهيك عن تمكنها من استمالة الطرف التركي الذي لطالما كان حليفاً لأمريكا وهو انتصار دبلوماسي جانبي لها لكنه من الأهمية بمكان.
عموماً قد لا يعنينا نجاة الدب الروسي من الفخ الأمريكي من عدمه، لكن ما يعنينا فعلاً أن يقظته توقّف نزيف الدم الذي أثقل كاهل السوريين عموماً، ولو أنه توقف مؤقت فضلاً عن أنه يقضي على الحلم الإيراني الصفوي في المنطقة على حساب تواجد أكبر للدور التركي، وهو لا شك في مصلحة الشعب السوري.
يبقى أن تستطيع المعارضة السياسية والعسكرية بمختلف أطيافها ومسمياتها أن تستفيد من هذا التحول والمتغير الجديد بتكاتفها وتوحدها ونبذ خلافاتها قبل أن يصاب هذا الدب المروّض حالياً بنوبة جنون جديدة تقلب الطاولة على المنطقة وسورية خصوصاً وتسوقها إلى الهاوية من جديد.