منذ يومها الأول تحاول روسيا أن تُظهر للعالم أنها الأب الروحي الذي يخشى دمار سورية، فبدأت بالتسويق لنفسها من خلال بداية حربها على الإرهاب وصولاً إلى ملف اللاجئين السوريين.
وبعد أن ثبَّتت أقدامها عسكرياً وسياسياً في سورية بدأت بالعزف على سيمفونية الوتر الإنساني، فهي تعمل على إعادة شرعنة نظام الأسد الذي لم تجد أفضل منه حليفاً لها ولأصدقائها الإسرائيليين الذين كسبت من خلالهم نقطة لصالحها بعد تأمين حدودهم، فإن استطاعت روسيا إعادة اللاجئين ستصور مناطق نظام الأسد على أنها بقعة يعيش عليها المواطنون بسلام وأمان، وهكذا تستطيع إعطاء نظام الأسد شرعية، مما قد يرفع عنه العقوبات الدولية، وربما يُجعل الأسد الشريك الأفضل للمجتمع الدولي.
روسيا التي ترغب ألا يشاركها أحد في سورية ستستفيد من إعادة اللاجئين السوريين بوضع اللبنة الأولى من المؤسسة العسكرية في سورية التي تحولت إلى مجموعات من الميليشيات التي يكون ولاء بعضها لإيران، وبذلك ستكون قد زجت بعدد جيد من الشبان المتخلفين والمنشقين إلى الفليق الخامس الذي عملت على تأسيسه منذ فترة والذي تعدُّه إيران عدوًا لها بسبب غياب الطائفية الشيعية عنه.
وجميعنا يعرف أن للملف بُعدٌ أكبر من الإنساني الذي تحاول موسكو إظهاره
ألا وهو إعادة الإعمار الذي سيكون من الصعب جداً تحمل الروس تكاليف هذا الملف وخصوصاً أن مجموعة “الدول السبع” رفضت المشاركة بالإعمار دون حل سياسي.
وبذلك إن نجحت روسيا ستكون قد كسبت الدول الغربية إلى صفها بل وقد تضغط عليهم بسبب هذه المسألة المعقدة بالنسبة إليهم، فضلاً عن زيادة اليد العاملة الرخيصة مما قد يوفر على روسيا الكثير.
وهناك نقطة أخرى لا تنساها روسيا وهي أنها في إعادة اللاجئين ستقوم باستقطاب بعض رؤوس الأموال التي فضلت الهجرة على البقاء وذلك بسبب الوضع المتدهور، وستقدم لهؤلاء إغراءات استثمارية مما قد يجلب أموالاً طائلة للبلد التي في النهاية ستكون تحت الإشراف الروسي.
في نهاية المطاف نجحت روسيا في الملف العسكري بسبب عدم استجابة المجتمع الدولي لمطالب السوريين واستخدامها لسياسية الأرض المحروقة، ولعلها قد تنجح أيضاً في الملف السياسي من خلال القفز من جنيف إلى أستانة وصولاً إلى مقررات سوتشي وعن طريق تفصيل معارضة سياسية تتناسب مع مصالح روسيا والأسد،
لكنها ستفشل حتماً في الملف الإنساني لعدة أسباب منها عدم تقديم ضمانات لهؤلاء اللاجئين إن فكروا بالعودة لاسيما تصريحات ضباط النظام التي ليست ببعيدة عن مسامعهم والتي كان آخرها تسريبات تتعلق بمدير المخابرات الجوية جميل الحسن
بالإضافة إلى عدم قدرة روسيا على ضبط الميليشيات الطائفية الشيعية التي تسعى لتغيير ديمغرافي وخاصةً جنوب العاصمة دمشق، بالإضافة إلى كون روسيا طرف أساسي في التهجير عن طريق دعمها لميليشيات الأسد، فكيف سيثق السوريون بمن خرَّب بيوتهم فوق رؤوسهم؟!
لذلك سيجد المجتمع الدولي نفسه محاصراً بين قبول الخطة الروسية وبين اتفاقية الأمم المتحدة الموقّعة لعام 1951 التي تفرض ضرورة تحقيق بيئة آمنة وإزالة سبب التهجير الذي لا أعتقد أنه سيفضل الخيار الأول عن الثاني.