الشعر ديوان العرب، خلد فيه بطولاتهم ومرؤتهم وحسن أخلاقهم، ولأن الكلمة المرئية أكثر وقعًا في الأذهان من المسموعة والمحكية كانت الدراما هي المعبر الجديد عن أحوال الشعوب وطموحاتهم وثقافاتهم بالإضافة إلى أنواع الفنون الأخرى.
ولدت دارمتنا السورية في القرن التاسع عشر على يد الكاتب المسرحي القدير (أحمد أبو خليل القباني) الذي أوجد الفن المسرحي في سورية، ففي عام 1959 تم إنشاء المسرح القومي في سورية الذي بدوره نقل المسرح من الهواية إلى الاحتراف، ثم بدأ الفنانان دريد ونهاد رحلتهما الفنية في عام 1964.
ساهم الصديقان بإغناء الدراما السورية بشكل رائع، والأعمال التي قدماها لا تكاد تنسى من ذاكرة الأجيال.
لم تكن الكوميديا هي الهاجس الوحيد لدريد بل شخّص واقع الإنسان العربي بعد النكبة عام 1948 وبعد النكسة 1967 كان هذا الفن صافيًا بدون شوائب، وُصف فيه حال الشعب بأمانة وإخلاص.
وفي السبعينيات، وبحركة ذكية من بعض الكتاب السوريين وبتمويلٍ خليجي، تم إنتاج عدة مسلسلات مثل (رأس غليص) و(ضحى ابن عجلان) لتسليط الضوء على أحد مكونات المجتمع السوري (البدو) فأعادت تلك المسلسلات إلى المشاهدين قيم الصحراء وعاداتها، ووفرت إطارًا مناسبًا للفروسية العربية.
إلى أن أصبح شهر رمضان موسماً للعروض التلفزيونية يتسابق الكتاب والمخرجون ضمن هذه السوق الشبيهة بسوق عكاظ الذي كان يستعرض فيه العرب مواهبهم الشعرية.
إلا أن إطباق النظام السوري كلتا يديه على مفاصل الحياة عموماً وعلى الفن والفنانين خصوصًا، جعل من الدراما السورية ثوبًا يطول ويقصر حسب توجيهات الممول، لكي يجني أرباحًا أكثر، وإن أي عملٍ فني يجب أن يعرض على أجهزة النظام السوري قبل تنفيذه فيحظى بتعليمات أجهزة الأمن ليحذف منه ويضاف إليه، وقد يرفض ويصبح مصير صاحبه السجن.
فتارةً نجد الموظف يرتشي ويسرق في محاول لتبرير الفساد، وطورًا يرفع التقارير بإخوانه، ويُعرض على أنه غيور على الوطن.
وفي إطار الجشع، تنتج مسلسلاتٌ ملحمية، مستوحاةٌ من التاريخ العربي كالزير سالم وحسب التوجيهات يزور التاريخ أمة وتهان أصالة العربي وعزته.
كل هذه الخطوط الحمر والاحتياطات لتحطيم إرادة الأجيال، وفصل السوري عن أصالته، لئلا يزعزع عروشهم.
لم يكتفوا بتزوير التاريخ فحسب، بل أنتجوا أعمالاً لحل مشاكل اجتماعية لم يعرفها السوريون، فالشعب السوري صاحب أكبر تعددٍ عرقي وديني في المنطقة لم يسمع بالفظائع والكوارث التي يرويها مسلسل الخط الأحمر، وإن عُري هذه الأعمال والرذيلة الموجودة فيها ساهم في رواجها وتحقيق مبيعات لها، ولكن على حساب سمعة السوري، فمن يشاهد تلك الأعمال سيوقن أن السوريين كلهم قد أصيبوا بالإيدز.
ومع قيام الثورة السورية، لم يتوانَ النظام عن توجيه دفته التلفزيونية ضد الثورة والثوار، فتارة يظهر الثوار على أنهم كائنات فضائية، ومرتزقةٍ أجانب تارة أخرى، متجاهلاً حقوق ذلك الشعب الكريم، فلم يعد بجعبة شاشات النظام إلا القتلة واللصوص لتشويه الثورة وإبعاد حاضنتها الشعبية.
وأما كتابة الأساطير عن جنوده، فهم خالدون لا يموتون ولا ينامون، أنقى من الماء وأصلب من الحديد.
ولكن تبقى الدراما السورية ديوان السوريين كما الشعر العربي، ويجب أن تعبر عن طموحاتهم، لتكون ملهمة للأجيال وجسرًا بين الماضي والحاضر، وليست سلعة تباعُ وتُشترى.