عاشت الدراما في سورية أيام عزٍ, حتى إذا شارفنا على نهاية الألفية الماضية لاحظنا تطورًا في العمل الإنتاجي بشكل ملحوظ بوجود كتاب أجادوا طرح الأعمال وجندوها لصالح فكر أو جهة معينة، برز منهم محمد الماغوط,و حسن يوسف, إلى ممدوح حمادة, و فؤاد حميرة, وريما فليحان, وغيرهم كثير.
ومع دخول الألفية الجديدة بدأت هذه الصنعة بالتراجع والانهيار بسبب كثرة شركات الإنتاج والفنانين وأشباه الفنانين واحتدام المنافسة بينهم,فمنهم من استطاع المحافظة على رونق أعماله, ومنهم من بدأ يهوي حتى وصل إلى إنتاج أعمال لا قيمة لها ولا معنى،ولم يقتصر الانحدار في السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة على سوء الإنتاج أو التوزيع, بل انتقل إلى المضمون من تفلت أخلاقي, وتطرق إلى مواضيع حساسة تمس المجتمع.بالرغم من محاولة بعض المنتجين إبراز دور ريادي للدراما السورية حينها، حيث تم إنتاج بعض الأعمال التي لاقت إقبالاً جماهيريًا واسعًا على الصعيد الكوميدي والبيئي والتاريخي والاجتماعي نذكر منها:(شتاء ساخن – باب الحارة ج1و2 – كوم الحجر – بقعة الضوء – ضيعة ضايعة – الزير سالم – أيام شامية …)
إلا أنَّ أبرز اهتمامات شركات الإنتاج الحكومية هي إبراز دور الحكومة وكفاحها من أجل ( الشعب ) لتغطية فسادها المستمر، فأنتجت أعمالا مثل (يوميات مدير عام – المحكوم …) وما شابهها.
الدراما السورية في الأحداث الحالية:
مع بداية الأحداث السورية مطلع عام 2011 حاول النظام لفت نظر الإعلام العالمي عبر قنواته إلى أنَّ ما يروج له عبارةٌ عن أكاذيب وفبركات درامية, لذلك صب كل طاقته على البثّ المباشر مع المواطنين في الأماكن التي يُقال إنّها متأزمة، وأنتج “دراما شارع” حينها شعر الجميع بأنها مهزلة متواصلة لم تكن ترضي حتى مؤيدي النظام،ومع ازدياد توتر الأوضاع لجأ إلى الدراما ليبث رسالة جديدة, حيث بدأ بإنتاج أعمال تتحدث عن العنف وعمَّن قام به عبر عدة أعمال تحكي عن تفجير حافلة, أو خطف مواطنين, وتجرأ لأول مرة بالدخول إلى الأفرع الأمنية ليظهر التجاوزات التي تحدث فيها وأخطاء بعض الضباط والأفراد الذين وصفهم بالمرضى أحيانا أو الغيورين على الوطن زيادة عن اللزوم أحيانا أخرى، كما في عمل ( الولادة من الخاصرة ) الجزء الأول، والتطورات الأشد عمقاً في الجزأين الثاني والثالث, حيث تمّ إظهار الطائفية ومحاكاة الواقع الداخلي مع إظهار فضل الجيش وأنه محايد وأن أعماله مشروعة مع تحميل كافة الأخطاء للأفرع الأمنية وما يتبعها.في ذات الوقت حاول عدة ناشطين إنتاج بعض الأعمال كي تنافس الأعمال الدرامية التي ينتجها النظام، إلا أنها كانت ضعيفة بسبب قلّة الإمكانيات وضعف الخبرة أحياناً، وعدم الترويج لها جيدًا، ولعلَّ أبرز الأعمال في البدايات كانت بقعة ضوء الحمصية,ثم برز خلال هذه الفترة عبد الوهاب الملا في عمل بسيط يحض على الثورة والعمل على إنجاحها حيث يعتبر عبد الوهاب أول من عمل باحترافية مبسطة في هذا المجال. تنوعت بعدها الأعمال وكان ثقلها في حلب من مسرح وأفلام وثائقية درامية بسيطة بعضها تمّ إنتاجه خارج سوريا, كما نشط مسرح العرائس في عدة مناسبات،ثم شهدنا نقلة نوعية مفاجئة بإمكانيات بسيطة وافتراضية عالية شابها بعض الأخطاء في عمل منع في سورية, وأم عبدو الحلبية، حيث يعتبر(منع في سورية) أول عمل درامي طويل في ظل الثورة لوحظ فيه تقنيات الضوء والصوت والديكور والإخراج الجيد الذي أبدع فيه المخرج بشار الهادي في أخذ واختيار لقطات كانت متميزة ومبعثرة.
تميز (منع في سورية) بأنه إنتاج فردي بخبرات محلية بعضها مغمور والآخر ناشئ, حاول إعطاء فكرة إلى العالم بأنه قادر على إنتاج عمل يضاهي فيه التقنيات الكبيرة, والسيناريوهات الجيدة, وينافس أبطال الدراما أيضاً، حيث لاحظنا نصوصاً جميلة تعطي فكرة وهدفًا, وتسهم في نشر ثقافة معينة، طبعاً لا يخلو الأمر من هنات كثيرة, وبعض الحلقات غير الموفقة، لكن إذا ما قورنت بالإمكانيات المتاحة فسنجد العذر سريعاً لهذه الأخطاء.
نهاية نحن أمام حرب إعلام قبل السلاح لذلك أرجو من الإعلاميين بذل الجهد في إنتاج بعض الأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية والاهتمام بذلك، لأنها الأكثر تأثيراً وقوة على إيصال الرسالة التي نريد.