فراس مصري |
تنعقد بعد أيام جلسة جديدة من جلسات اللجنة الدستورية السورية ويتصدر جدول أعمالها موضوع الهوية، وستكون هذه التدوينة أو المقالة هي الأولى التي أتحدث فيها عن الدستور واللجنة الدستورية ولكن ليس من الباب الذي يطرقه الجميع، فليست لدي نفس المشكلة التي يتحدث عنها البعض مع اللجنة الدستورية أو آليات تشكيلها وعملها، وهذا ليس لأنها المسار الصحيح، لكن لأنها المآل الاضطراري الذي وضع كمحطة على سكّة المفاوضات والتسوية السياسية، فالكل يعرف أن الحل في سورية لم يعد عسكرياً وأنّ تسوية سياسية لابد أن تمضي لإنهاء مأساة السوريين على باب عام ثورتهم العاشر
هذه المحطة الاجبارية تم سوقنا إليها اضطرارياً لأسباب مختلفة منها تراكم الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة السورية بكافة تشكيلاتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، ومنها تواطؤ دولي فريد من نوعه في الانحياز للمستبدين على حساب الشعوب، والنتيجة محطة جديدة من محطات التسوية السياسية وفق تفسيرات أممية للقرار 2254 الذي لو كان له تفسير واحد لما صدر أصلاً، فأصابع مجلس الأمن الخمسة لا يمكن أن ترتفع مجتمعة لقرار يمكن أن يخدم قضية شعب مظلوم.
الحقيقة التي أمامنا هي أن لجنة دستورية سورية قد شُكلت خارج قرار السوريين، وأخذت شرعيتها من قرار أممي تم فرضه، بغض النظر عن الإرادة السورية، لكن الفرصة أُتيحت للسوريين من أعضاء اللجنة أن يكونوا أصحاب رأي في جدول أعمالها ومحتوى دستورهم، فما الذي حصل؟!
بضغط من النظام وانهزام من المعارضة تم القبول بمناقشة موضوع الهوية في بداية طريق كتابة الدستور، وكان الأجدر بالمعارضة التوجه للموضوعات التي سببت كارثة السوريين أصلاً، والتي تتمثل بالمحاور التي تسببت بتسليط سيف الاستبداد على رقاب السوريين (كنظام الحكم وصلاحيات الرئيس وأخذ البرلمان والحكومة والقضاء رهائن عند ديكتاتور يقول أنا ربكم الأعلى)
التنوع الثري في المجتمع السوري يجعل من موضوع (العقد الاجتماعي والهوية) موضوعاً مثيراً لاختلاف وجهات النظر بين الأطياف السورية ولا يتعلق بنظام أو معارضة، بل يتعلق برؤى وثقافات متنوعة، وهذا هو الفخ الذي قصدته في عنوان هذه التدوينة.
الجميع يعرف أن وفد النظام محكوم بعصى غليظة فهو يعمل ميكانيكياً دون السماح له بالتفكير أو التأمل فيما يقول بل يتلو ما يمليه عليه أسياده في دمشق، وبالتالي سيكون صوتاً واحداً في أي قضية تتعلق بالهوية أو العقد الاجتماعي، أما وفد المعارضة فيتميز باشتمام رائحة الحرية وهو مؤلف من مكونات ذات ثقافات متنوعة والخلاف بين أعضائه طبيعي بل ظاهرة صحية في هذا المجال، إذ يسهل أن يتوافق المعارضون على نزع فتيل الاستبداد من النص الدستوري لكنهم ليسوا مُلزمين بالتوافق على وجهة نظر واحدة في مواضيع الهوية، التي ميدانها هو حوارات مجتمعية مطولة ومعمقة تستغرق وقتاً طويلاً للتوافق على صياغات تتناسب وثقافات كل أطياف السوريين، يحسمها استفتاء شعبي على المحتوى الدستوري الذي يعبر عنها.
وعلى ذلك فإن افتتاح جدول أعمال اللجنة الدستورية بقضية يتخالف فيها المعارضون خلافاً صحياً لا يُعيبهم، بينما يتوافق عليها دمى النظام بفعل ساطور سيدهم سيكون مدعاة لانقسام مبكر في صفوف المعارضة كان يمكن تجنبه بالإصرار على مناقشة السبب الحقيقي لقيام ثورة شعب متعطش للانعتاق من حبل الاستبداد إلى فضاء الحرية ومن جور الظلم إلى مظلة العدالة، انطلاقاً من دستور عصري يغلق باب التفرد بالسلطة ويفتح باب التشاركية والديمقراطية في حكم رشيد يستحقه كفاح السوريين.